كشفت دراسة علمية حديثة النقاب عن معلومات خطيرة تمس الوضع الصحي والبيئي والزراعي في الجمهورية اليمنية حيث أشارت إلى عدم صلاحية مياه الصرف الصحي المعالجة في خمس محطات متخصصة بمعالجة تلك المياه في محافظات عدن، لحج، ذمار، صنعاء، إب، للاستخدام في ري المزروعات بسبب انخفاض جودتها المترافقة مع غياب الأخذ بالتدابير الصحية والبيئية. وأشارت الدراسة التي أعدها الدكتور عبده محمد سيف الحدي أستاذ علم البيئة والأرصاد الجوي الزراعي المساعد بكلية الزراعة والطب البيطري في جامعة إب إلى ظهور مؤشرات خطيرة وفي مقدمتها زيادة نسبة الإصابة بالأمراض في صفوف الساكنين والمزارعين في وادي ميتم الذي يشهد إفراطاً في الاستخدام العشوائي لمياه الصرف الصحي العادمة والمعالجة. الفقر المائي تعد الجمهورية اليمنية من البلدان الفقيرة مائيا حيث يقدر الاستهلاك المائي بحوالي 3400 مليون متر مكعب في عام 2000، بينما تذهب المصادر المتجددة نحو 2500 مليون متر مكعب [1000 مليون متر مياه سطحية و1500مليون متر مكعب المياه الجوفية]، ينتج عن ذلك عجز مائي يقدر بنحو 900 مليون متر مكعب يتم سحبه من المياه الجوفية. وتشير الدراسات إلى ارتفاع الطلب على المياه بشكل مطرد خلال العشرين سنة الماضية بنسب متفاوتة بين القطاعات المختلفة، فقد ارتفع إجمالي كمية المياه المستهلكة في اليمن من 2899 مليون متر مكعب في العام 1990 إلى 3570 مليون متر مكعب في العام 2000 بمتوسط زيادة سنوية 2.30 %، ويتوقع زيادة ارتفاع الطلب على المياه مستقبلا بشكل أكبر مما يترتب علية تناقص في مصادر المياه المتاحة وبالتالي انخفاض حصة الفرد من الماء وبالتأكيد سيتم اللجوء إلى استخدام المصادر الثانوية كالمياه العادمة ضمن الخيارات العامة للتخفيض من حدة الضغط على هذه الموارد. أهداف استخدام المياه العادمة وبحسب الدكتور عبده الحدي فإن الاستخدام الأمثل للمياه العادمة المعالجة يهدف إلى التخلص من العناصر الضارة بصحة الإنسان والبيئة الناتجة عن الاستخدام العشوائي والمفرط للمياه العادمة والمعالجة، وتخفيف الضغط على المياه الجوفية ذات الجودة العالية لاستخدامها للشرب بدلا عن استخدامها في الري الزراعي. مواصفات جودة المياه وتشير الدراسة العلمية إلى أن الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة قد حددت عدة اشتراطات، ومن هذه الاشتراطات: يجب أن تطابق مياه الصرف الصحي المعالجة المواصفات القياسية اليمنية، حسب الاستعمال النهائي المخطط له، يجب إيقاف الري قبل جني المحصول بأسبوعين عند استعمال المياه المعالجة لغايات ري الأشجار المثمرة والخضار المطبوخة والمحاصيل الحقلية والأعلاف واستبعاد الثمار المتساقطة والملامسة للأرض ومياه الري، يجب الأخذ بعين الاعتبار حساسية المزروعات لبعض الخواص والعناصر في المياه المعالجة عند اختيار المحصول ومراعاة التأثير السلبي على خواص التربة، لا يسمح باستعمال نظام الري بالرشاشات، لا يسمح باستعمال هذه المياه لري الخضار التي تؤكل نيئة مثل الطماط والخيار والخس والفجل والنعناع والبقدونس والكبزرة والفلفل والزهرة والملفوف وما شابهها، يجب استعمال الأنابيب أو القنوات المبطنة عند نقل المياه المعالجة في مناطق ذات نفاذية عالية والتي قد تؤثر على المياه الجوفية أو المياه السطحية المستخدمة للشرب، لا يسمح بتخفيف هذه المياه وذلك بخلطها في موقع محطة المعالجة مع مياه نقية بهدف تحقيق الاشتراطات الواردة في المواصفات القياسية اليمنية. محطة معالجة المياه وفي تعريفه لمحطة معالجة مياه الصرف الصحي بمحافظة إب يقول الدكتور الحدي: تقع محطة إب في الجزء الجنوبي الشرقي من مدينة إب [في أعلى مساقط منطقة وادي ميتم] على ارتفاع 1890 متر فوق سطح البحر، وقد أنشئت المحطة عام 1990 من قبل شركة ألمانية، و صممت لاستيعاب نحو[5000] متر مكعب في اليوم، كحد أقصى من المياه العادمة ذات أكسجين لازم حيوياً (BOD5) بقيمة (500) ملجم/لتر. وقد بلغ متوسط كمية المياه المتدفقة إلى المحطة في بداية الأمر عام 1991 نحو (1193)م تر مكعب/ يوم، وأما كمية هذه المياه في الوقت الحاضر فتتراوح ما بين(6390)متر مكعب و(9000)متر مكعب وتصل إلى حوالي 10000متر مكعب في اليوم مع الكمية التي يستنفذها المزارعون إلى مزارعهم قبل وصولها إلى محطة المعالجة، وهذا يعني وجود زيادة في الحمولة تصل إلى أكثر من 80% من الطاقة الاستيعابية القصوى التي صممت عليها المحطة، وتبلغ قيمة الأكسجين اللازم حيوياً (BOD5) نحو(1450) ملجم/ لتر واللازم كيميائيا (COD5) بنحو(2097)ملجم/لتر . أساليب معالجة مياه الصرف الصحي وعن أسلوب معالجة مياه الصرف الصحي المتبع في محطة إب يقول الدكتور الحدي: تتمثل عملية المعالجة بهذه المحطة في المراحل الآتية: 1 - المعالجة الميكانيكية: ويتم فيها فصل وغربلة المواد الصلبة كبيرة الحجم والمواد الأخرى التي توجد في المياه الخام بواسطة استخدام مناخل خاصة، تليها عملية إزالة الأتربة والرمل والمواد الصلبة الثقيلة عن طريق ترسيبها في حفر منخفضة على مجرى الدفق المائي لهذه المياه ومن ثم سحب المواد المترسبة إلى خارج المجرى. 2 - المعالجة الحيوية في أحواض الأكسدة: يتم في هذه المرحلة هضم المركبات العضوية في أحواض التهوية والتي هي عبارة عن ستة أحواض كبيرة تدور فيها مراوح كهربائية لضخ الأكسجين وخلطه في الماء بهدف إمداد الكائنات الدقيقة كالبكتيريا بما يلزمها من أكسجين لتقوم بعملية التحليل الهوائي للمركبات العضوية. كما يتم في هذه المرحلة ترسيب المواد العضوية الصلبة والتي يتم نقلها إلى أحواض التجفيف. أما الوحل المتبقي فيتم تجميعه في المنخفض المركزي لحوض الترسيب النهائي حيث يؤخذ جزء ليعاد إلى أحواض التهوية لتنشيط النمو البكتيري بينما الجزء الآخر يتم نزع الماء منه وتكثيفه تمهيداً لنقله إلى أحواض التجفيف. 3 - المعالجة الكيميائية: يمرر الدفق المعالج (الماء) على غرفة الكلورة لإضافة مادة الكلور قبل تصريفه إلى مجرى الوادي. أسباب استخدام المياه العادمة أما الأسباب التي دفعت المزارعين إلى استخدام مياه الصرف الصحي العادمة والمعالجة فيوضحها الحدي بقوله: إن أهم الأسباب التي تدفع معظم مستخدمي هذه المياه هو الحاجة الملحة لاستخدامها لما تتميز به هذه المياه من كونها مصدراً مجانياً للمياه ولا يوجد لها بديل، وغناها بالعناصر الغذائية التي تزيد من إنتاجية النباتات وترفع من خصوبة التربة إضافة إلى شحة مصادر المياه الجوفية وارتفاع تكاليف استخدامها، فضلاً عن عدم وجود أية موانع أو قيود اجتماعية أو دينية تحد من تعامل هذه الشريحة من المجتمع الزراعي مع تلك المياه بالطرائق العشوائية والمفرطة وأن العمالة التي تنفذ جميع الأعمال الحقلية ومنها عملية الري هي عمالة أسرية وأن عملية الري ليست مقننة ومدروسة ومناسبة لنوعية المحاصيل التي يزرعونها. وقد لوحظ في منطقة وادي ميتم أن المزارعين لا يهتمون كثيراً بالآثار الصحية المترتبة من جراء التعامل غير الحذر مع تلك المياه، إضافة إلى عدم وعي معظم المستخدمين بالمخاطر المترتبة من هذا الاستخدام، حيث وصل بهم الحال إلى غسل بعض الخضار بهذه المياه الملوثة ويأكلونها غضة وهذا ما سيرفع نسبة التعرض للإصابة بمختلف الأمراض الخطيرة كفيروس الكبد الوبائي لذلك يجب القيام بعدة حملات لتوعية المزارعين في وادي ميتم بالمخاطر المحتملة الناتجة من عدم اتباع وسائل السلامة في التعامل مع تلك المياه. وقد نتج عن هذا الاستخدام العشوائي للمياه الخام غير المعالجة، (مياه المجاري قبل دخولها المحطة) أضرار بشرية [موت بعض العمال المتعاملين مع هذا النوع من المياه]، وحيوانية [بتور وتشوهات] ولو بنسبة قليلة ولكن مؤشر الخطر ينذر بالارتفاع ما لم يتخذ حيال ذلك بعض التدابير الصارمة لمنع استخدام المياه العادمة قبل المعالجة للري وإلزام المزارعين باتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من أضرار التلامس المباشر مع المياه المعالجة عند الري ورفع مستوى الوعي عند هذه الفئة من المجتمع . مخاطر استخدام المياه المعالجة وأوضح الدكتور الحدي العديد من المخاطر المترتبة على استخدام المياه المعالجة في ري المزروعات بقوله: من خلال النزول الميداني لوحظ أن العديد من المزارعين لا يلتزمون بأدنى قواعد السلامة الصحية مثل استخدام بعض الكفوف الواقية والملابس الخاصة وكذلك أحذية مطاطية طويلة. وبإمكان المياه بهذه الحالة أن تنقل الكثير من الأمراض فالبكتيريا تسبب أمراض الكوليرا، وحمى التيفوئيد، زحار باسيلري، والنزلة المعدية، وبويضات ويرقات الديدان بمختلف أنواعها والفيروسات تكون عاملاً مسبباً لحدوث العديد من الأمراض مثل شلل الأطفال [الكساح]، والتهابات الكبد بالإضافة إلى فيروس الكبد الوبائي، مما يجعل عملية تطوير طريقة المعالجة ضرورياً في هذه المحطة وبما يتماشى مع كمية المياه ونوعية الاستخدام لها .. كما أن هناك مخاطر أخرى على مواطني المنطقة نتيجة استهلاكهم تلك المزروعات كالخضار الغضة التي تؤكل بدون طهي حيث لا توجد قوانين تحدد نوع المزروعات المسموح ريها بمياه الصرف الصحي ولا يتم تقنين للمياه المستخدمة للري الزراعي. كما أن العديد من الجراثيم لها القدرة على البقاء نشطة وحية على سطوح الأوراق والثمار لفترات تتراوح بين يومين إلى 30 يوماً مما يوسع مدى الإصابة والعدوى وقد لوحظ أن بعض المحاصيل تروى وهي في حالة النضج والبعض الآخر تروى أثناء الجني للمحصول الناضج مثل الطماطم الذي يستمر جنيه لعدة أيام ويتم ري المحصول خلالها، ويمكن لعملية المعالجة الأولية والثانوية لمياه المجاري أن تزيل ما بين ( 50-95 %فقط) من البكتيريا والفيروسات. تلوث المياه الجوفية كما أن تسرب مياه الصرف الصحي إلى المياه السطحية أو الجوفية يفقدها جودتها وصلاحيتها للشرب نتيجة لاحتوائها على ملوثات مقاومة للتحلل مثل: المبيدات الزراعية (مثل dihedron , DDT)، والمخلفات الصناعية ومخلفات الصرف الصحي، والبترول ومشتقاته، والمواد المشعة وبعض العناصر الثقيلة كالحديد والزئبق والكالسيوم التي تبقى في المياه لفترات طويلة دون تحلل مما يسبب ضرراً كبيرا لا يمكن إصلاحه وإن أمكن فيكون ذلك بعد عقود طويلة من السنين. والحل الأمثل للحفاظ على جودة المياه هو منع جميع الملوثات من الوصول إلى المصادر المائية. نتائج مفزعة وقد أشارت نتائج التحاليل المختبرية التي أجراها الدكتور الحدي إلى ارتفاع قيم الصوديوم في مياه الصرف الصحي المعالجة في الخمس المحطات المدروسة (إب، الحوطة، الشعب، ذمار، صنعاء) حيث بلغت (11.74، 14.43، 18.25، 7.1،9.2 ) مليمكافئ/ل على التوالي، بلغت قيمة الكلورايد في المحطات المذكورة (14.8، 26.7، 12.7، 3.0، 7.1) مليمكافئ /ل على التوالي، قدرت كمية البيكربونات أيضاً بنحو (13.80، 10.1، nd، 10.08، 10.19) مليمكافئ /ل على التوالي، كما بلغ عدد بكتيريا القولون البرازية (11000، 5.3 * 610، nd، nd ، 3 * 410) خلية/ 100مل على التوالي، قدرت تركيزات النحاس والكادميوم في محطة الحوطة (0.55، 0.5) ملجرام/ لتر، بينما في محطة صنعاء بلغت تركيزات النحاس بنحو (0.3 ) ملجرام/ ل. والمياه بهذه المواصفات لا تصلح للري حسب مواصفات الجودة اليمنية والدولية ما لم تتخذ تدابير صحية وبيئية صارمة، لأن هذه النتائج تؤكد أن هذه المياه ستكون سبباً في تدهور نفاذية التربة مما يؤثر سلباً في درجة رشح المياه داخل التربة، كما سيؤدي تراكم الأملاح الذائبة في التربة إلى تدهور وتملح الأراضي الزراعية، ومن المتوقع أن استخدام المياه المعالجة باستمرار لفترة طويلة (وخصوصاً الاستخدام العشوائي والمفرط الغير مدروس) قد يؤدي إلى زيادة تراكم الفلزات في التربة الزراعية مما قد يؤثر سلباً على نمو وإنتاجية المحاصيل ومن خلال ذلك على صحة الإنسان والحيوان . حلول مقترحة وعن رؤيته للخروج من هذا المأزق يقول الدكتور الحدي: من الأهمية بمكان تحسين طرائق المعالجة والتوسع الأفقي للمحطة من خلال زيادة عدد أحواض الأكسدة وكذلك عمل برك الصقل والتعقيم في المحطات اليمنية لتحاشي القصور في إزالة الملوثات وخصوصاً الجرثومية منها الموجودة في مياه المجاري إضافة إلى تخفيض العناصر الأخرى الغير ملائمة لاستخدام هذه المياه في الري الزراعي، ويجب أن تدعم المشاريع الاستثمارية في مجال الري بالمياه العادمة المعالجة القائمة على أسس علمية متطورة وخاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة كعزلة عينان، وبني عاطف لغرض التخلص من الاستخدام العشوائي لهذه المياه في وادي ميتم، كما يمكن أن تتبنى الدولة مشاريع ري نموذجية لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة وفق الاشتراطات والمواصفات القياسية اليمنية، كخطوه أولى في طريق تعميمها على المناطق الأخرى المماثلة.