ذلك اليوم الذي كان شديد الكآبة والضجر.. شعرت أني بحاجة ماسة لأكون بقرب شخص أثق به. كانت تدور في نفسي وحشة هائلة وقد أحرق الهواء المثلج رئتي.. لكنني وجدت نفسي أمام الهاتف، ورفعت السماعة ورحت أعبث بأصابعي على الأزرار في الجانب الآخر وعلى سماعة الهاتف.. رن في أذني صوت بعيد، وعرفت فيه ذلك الصوت الذي كان يرن فيهما منذ أعوام طويلة، لا أدري لما اختارته أصابعي؟! لكنه كان الرقم الوحيد الذي حفظته عن ظهر قلب.. فلم استعن “بنوته” لأبحث فيها عن رقم يهمني.. كعادته كان بارداً في كلماته. شاحباً في مشاعره.. ولأنني كنت في منتهى حزني، تحدثت طويلاً عنه، كنت بائسة حقاً وأنا أسهب في بث تفاصيل حزني إليه.. ومع ذلك مر الوقت سريعاً. أنهيت مكالمتي ووضعت السماعة في مكانها، نسيت كل ما دار بيننا من حديث بارد لكني لم أنس حزني الذي بدأ وكأنه أكثر مما كان عليه قبل أن تعبث أصابعي بأزرار الهاتف..