في ذلك اليوم الذي كان شديد الكآبة والضجر، شعرت أني بحاجة ماسة لأكون بقرب شخص أثق به. كانت تدور في نفسي وحشة هائلة وقد أحرق الهواء المثلج رئتي، لكنني وجدت نفسي أمام الهاتف، رفعت السماعة ورحت أعبث بأصابعي على الأزرار، في الجانب الآخر وعلى سماعة الهاتف رن في أذني صوت بعيد، عرفت أنه ذلك الصوت الذي يرن فيهما منذ أعوام طويلة، لا أدري لم اختارته أصابعي؟! لكنه كان الرقم الوحيد الذي حفظته عن ظهر قلب، فلم استعن (بنوتة) لأبحث فيها عن رقم يهمني، كعادته كان بارداً في كلماته، شاحباً في مشاعره. ولأنني كنت في منتهى حزني، تحدثت طويلاً، كنت بائسة حقاً وأنا أسهب في بث تفاصيل حزني إليه، ومع ذلك مر الوقت سريعاً. أنهيت مكالمتي ووضعت السماعة في مكانها، نسيت كل ما دار بيننا من حديث بارد لكني لم أنس حزني الذي بدا وكأنه أكثر مما كان عليه قبل أن تعبث أصابعي بأزرار الهاتف.