(الماتادور) الأسباني هزم (الطواحين) الهولندية و(الماكينات الألمانية) وفاز باللقب من بين جميع المتنافسين الراكضين خلف الساحرة المستديرة التي شدتنا جميعاً إلى شاشات التلفزيون طوال شهر كامل لكني أزعم أن البطولة الحقيقية كانت من نصيب الرجل (الشيبة) العجوز الذي بلغ التسعين من عمره قبل عامين نيلسون مانديلا.. ورغم سيل التكهنات وحمى المنافسات وحصول الكثير من المفاجآت وسقوط أباطرة اللعبة الطليان ثم الفرنسيين والانجليز الواحد تلو الآخر ورغم ازدحام البطولة بالنجوم الوسيمين المتألقين وراقصي (السامبا) و(التانغو) من ذوي الاقدام الذهبية الذين تنفق عليهم ملايين الدولارات إلا أن العجوز المتهالك مانديلا بقى في رأيي نجم النجوم الأكثر سطوعاً في البطولة والراعي الشرفي والفخري لها ورغم جولات الكامرات في الطبيعة الساحرة للبلد المضيف واستكشاف المعالم السياحية والحياة البرية بأسودها وأفيالها ونمورها إلا أن عيون السائحين بقيت ترقب ظهور أشهر معالم جمهورية جنوب افريقيا بل قارة أفريقيا كلها «نيلسون مانديلا».. رسالة مانديلا إلى العالم واضحة بل في غاية الوضوح والبساطة فهو زعيم روحي من طراز الزعماء الروحيين الملهمين الكبار مثل غاندي قضى في السجن ثمانية وعشرين عاماً من 1962م لغاية 1990م أصيب خلالها بالتدرن الرئوي وتركته زوجته لتتزوج من محاميه!! لكنه بقى مناضلاً نضالاً سلمياً ضد التمييز العنصري البغيض ضد أبناء جلدته بل أصبح رمزاً وطنياً كبيراً وقاد النضال السلمي والمفاوضات من داخل زنزانته حتى اطلق سراحه الرئيس كيرك وجعله نائباً للرئيس عام 1991م ثم تولى رئاسة البلاد بعد فوز ساحق مستحق في انتخابات عام 1994م لكنه ترك السلطة عام 99م ليتفرغ لدوره كزعيم روحي وداعية سلام ولأن رسالته أكبر من الحكم والحكومة وقاد حملة كبيرة لتحصل جنوب افريقيا على حق تنظيم بطولة كأس العالم 2010م وقد رأيناه قبل أعوام على شاشات التلفزة يرقص طرباً وسط الجموع حين أعلن فوز بلده بهذا الحق وكأن مانديلا اراد أن يرسم بيده رحلته في السياسة والحياة فجاء بالعالم كله إلى بلده ليشهد ثمرة نضاله الحقيقية كان العالم كله يرفض اللعب مع جنوب افريقيا ويقاطعها باعتبارها نظاماً عنصرياً يميز البشر وفقاً لألوانهم التي خلقهم الله بها فجاء مانديلا بالعالم كله ليلعب على أرض جنوب افريقيا ليشهد أن التمييز العنصري واستعباد البشر قد أصبح من الماضي السحيق وها هي البشرية جميعاً بشتى ألوانها ومللها تجتمع على أرض الله الخالق العظيم الذي خلق الشعوب والقبائل. هتفت الملايين وضجت بالفرح حين حمل الشاب الوسيم (كاسياس) كابتن اسبانيا كأس العالم لكني كنت أرى على الشاشة العجوز مانديلا يتوكا على عصاه بيد ويحمل كأس العالم الذهبية المتلألئة باليد الأخرى ,ويقول للعالم قل «لا للتمييز بكل اشكاله العنصري والعرقي والطائفي والمذهبي قل لا للإرهاب قل لا للتطرف قل لا للحقد الأعمى قل لا لقتل النفس البريئة التي حرم الله قل لا للتكفير والتفجير والتدمير وقل «نعم للسلام والوئام والحب والتسامح».