البيت جزء من تراثنا الثقافي الاسلامي وهو رسالة الأجداد للأبناء والأجيال وهو القوة التي تجمع الأمة.. إن التمييز في البناء التقليدي للبيت والتفنن في عمارته والاهتمام به هي صفة من صفات اليمنيين الذين عرفوا بفن العمارة وبناء البيوت في بطون الأودية وأعلى القمم والمرتفعات والسهول، أنه فن لايحتاج منا إلى تفسير أو ترجمة أو شرح فهو يخاطب العين والعقل مباشرة ويترجم لنا كيف تعامل أجدادنا الأوائل مع ظروف المناخ والبيئة في تلك القرية أو ليضع حلولاً عبقرية لمشكلات الحر والبرد والمطر والرياح والعواصف الترابية ومخارج المياه وكيف يتلاءم هذا التصميم مع التقاليد الاجتماعية والقيم الدينية.إن بناء البيت ليس مجرد بناء فيه يلتقي فن البناء بفن استخدام المادة وتشكيل الطين والجير وصنع الزخارف بها حول الأبواب والنقر على الخشب ووضع حزام التزيين حول الأعمدة والنوافذ والعكوف والأقواس والقاسم الخشبي المزخرف وفي البيت مواضع للحطب والأغنام لها مكان مخصص والمرهاة والموقد والمنجاز والعكر حلقة التواصل بين البيوت المتجاورة وبئر الماء الذي يجمع الناس وأسوار القرية التي تعكس خصوصية كل قرية وماتنفرد به عن غيرها من القرى والمدن. وتتميز اليمن بفن معماري فريد وتتميز أيضاً بأن هذا الفن يختلف من مكان إلى آخر لغناء البيئة اليمنية بالتنوع وهي خصوصية تنفرد بها اليمن عن بقية دول العالم فالبناء في عاصمة اليمنصنعاء يختلف عن البناء في إب وصعدة وحضرموت ولكل محافظة خصوصيتها وتتجلى ذلك بوضوح في قطع العمارة المتناثرة فحين يعتمد المعماري في صنعاء على القمريات والبناء الراسي نجد البناء الحضرمي يعتمد حيناً على الرأسي في سيئون وشبام ناطحات سحاب اليمن بينما يختلف البناء في ساحل حضرموت عن واديه إذ يتميز البناء في الشحر والديس الشرقية والحامي والريدة الشرقية والقيل ويتخذ التوسع الأفقي وبأنماط فنية تختلف كلياً عن فنون البناء في المكلا عاصمة محافظة حضرموت واهتم الباحثون بنمط البناء في وادي حضرموت ومميزاته ولم يعطوا أي اهتمام بالبناء في الساحل برغم أن الخام المستخد في البناء هو الطين وقشر الذرة أو القمح أو روق الأغنام الذي يصنع منه المدر الذي يعمل منه البيت. برز في منتصف القرن التاسع عشر للميلاد وتحديداً في منطقة الديس الشرقية مجموعة البنائين الذين تميزوا وتفردوا في البناء المعماري وبناء البيت بخصوصيات المنطقة مثل المعلم البنائي محمد أحمد المعيا وبكران هذبول وتتلمذ على أيدي هؤلاء العديد من البنائين من أبناء المنطقة كالمعلم سعيد كمون وعوض قوني وعمر المعيا وعمر هذبول وآخرين كما عرف سعيد العبد مبروك بلهاي مسجدي وأخوه عوض العبد مبروك بلهاي مسجدي في صناعة المدر الذي منه انتجوا الآلاف من المدر وشاركه في البناء العديد من البيوت في مدينة الديس الشرقية التي نتحدث عن خصائص بناء البيت فيها ومميزاته كنموذج في ساحل حضرموت. خصوصيات البيت من خصوصيات البيوت في الديس الشرقية التي تقع شرق ساحل حضرموت وتبعد عن مدينة الشحر التاريخية ب48 كليومتراً وترتبط بها بطريق مسفلت يمتد على الشريط الساحلي أن جميع البيوت التقليدية متجاورة ومتلاصقة في صف عائلي لسبعة أو ثمانية من البيوت ترتبط بشارع بحري واجهة لسكك البيوت وتنتهي برقة وهي مساحة في واجهة البيوت تستخد في اقامة المناسبات الجماعية والأفراح والألعاب الشعبية كالشبواني والعدة والغية ومن أشهر الرقق في منطقة الديس الشرقية رقة فرحان ورقة ياسين وساحة الحصن المواجهة لبيوت الأسرة اليافعية من آل كساد. تقاس مساحة البيت بوحدة قياس محلية تسمى بالمسقط والمسقط عبارة عن 9 فوت عرض و120فوتاً طولاً وتتكون البيوت من مسقطين إلى ثلاثة مساقط وأكبر بيت بالديس الشرقية يتكون من سبعة مساقط بيت الشيخ جنيد عبيد جنيد باوزير ويشمل أكثر من عشر ضيق والضيقة هي المنزل أو الحجرة حيث يقسم البيت إلى مجموعة من الضيق مع ملحقاتها من مخازن ودروع وحجاو وعمامير وخلف ومفاسي والتي سنتناولها في هذه الاطلالة عن البيت في منطقة الديس الشرقية كنموذج لفن العمارة لازال بعيداً عن الضوء. الدكة وهي عبارة عن بناء تقليدي في مقدمة البيت على شكل مجلس بمساحة محاذية لجدار البيت وللدكة رواج في القرية يوصف البيت بدكته وحيطته البارزة للشارع ويقال دكة آل فلان وقد لعبت الدكة أدواراً اجتماعية في حسم الكثير من القضايا الاجتماعية والخلافات بين الجيران حيث يجلس عاقل البيت الذي يعد أحد المرجعيات في الحي ويتكئ على وسادة ويجلس بجداره من أراد ويرد عليه السلام المار بالقرب منه ويشاهد الجالسون الغادي والرائح من أبناء الحي ومعرفة الغريب والقريب ويستأنس بالجلوس والقعود على الدكة كبار السن والمقعدون للخروج عن المألوف والاستمتاع بالسهر عليها في الليالي المقمرة وفي الغالب تكون الدكة على جانبين حيث يتوسطها ممر مدخل البيت الذي يقسمها إلى قسمين غير منفصلين وترش الدكة بالنورة في الأعياد والمناسبات الفرائحية للأسرة. السدة تصنع السدة من الخشب الجاوي الثقيل وتزخرف بعدة زخرفات ونقوش بديعة يتفنن في تشكيلها النجار ويكتب عليها تاريخ الصنع واسم صاحب البيت أحياناً وبعض الآيات القرآنية والبسملة وتزين بالألوان الزاهية وتعتبر السدة المدخل الرئيسي للبيت وتأخذ مساحة من واجهة البيت تفتح على فردتين في المناسبة وفردة واحدة في الأيام الاعتيادية ولاتغلق السدة في معظم البيوت إلا في فترة متأخرة من المساء وبعد الاطمئنان على دخول معظم أو كل أهل الدار وتتميز بالقولدة أو القليد المصنوع من الخشب. السقيفة عند مدخل كل بيت بعد السدة تأتي السقيفة وهي مكان الانتظار والمناداة والاستئذان من أهل البيت للدخول ويوجد بها مدخلان شرقي وقبلي أحدهما مخصص للنساء والآخر مخصص للرجال فإذا كان المنادي أنثى فيؤذن لها بالدخول في المكان المخصص للنساء وهو الشرقي في معظم البيوت وإذا كان المنادي رجلاً يسمح له بالدخول من الجانب القبلي كان يقول له بصوت مرتفع (قبل) أي ادخل تجاه القبلة في البيت ومساحة السقيفة في العادة أربعة أمتار في أربعة محاطة بجدار طيني من كل الاتجاهات دبابين في جهتين شرقية وقبلية. الحجوة بعد تجاوز السقيفة تأتي الحجوة وهي عبارة عن مساحة مكشوفة دون سقف سقفها السماء، تقدر مساحتها بين عشرة إلى ثمانية أمتار والحجوة تستخدم في استخدامات عديدة فهي للسهر والنوم لأصحاب البيت ومتنفس للاحتفالات العائلية في المساء فقط وفضاء العائلة المريح المتلائم مع بيئة القرية وأجوائها. الضيقة الضيقة نوعان ضيقة بعطفتها وضيقة سراب تشرف مباشرة على الحجوة فالضيقة أبو عطفة بها مخزن يتسع لكافة المستلزمات المنزلية من أدوات الحفظ العائلية للثبات فهي بمثابة كبت أو دولاب كبير للعائلة به من الرفف أو الحوامل الكثير والصناديق أما الضيقة السراب فهي طويلة ودون مخزن وتختلف مساحة الضيقة بحسب عدد مساقط البيت حيث يطلق على الحجرة التي مقدار عرضها 9فوت سراب و18فوتاً أبوعطفة ويوجد بالضيقة مجموعة من العمامير والخلف والعماري مفردها والخلفة مفرد الخلف وهي عبارة عن أماكن لوضع أدوات البيت كالسراج والأكواب وكأسات الماء وثلاجات الشاهي وبعض مستلزمات النساء الخفيفة حيث توضع في العماري أو الخلفة بعيداً عن متناول الأطفال وتلعو الخلف عن العماري الذي يمتد إلى قرب الجالسين وبالضيقة فتحسة علوية بعد الباب تسمح بمرور النور والهواء البارد في أيام الصيف الحار يطلق عليها المنور كما يوجد بالضيقة المفسي وهو عبارة عن ثلاثة أو أربعة من العيدان لحمل حسائر ومفارش وقطف البيت وحاجاتهم الثقيلة، وتتوسط الضيقة الحجوة والدرع في شكل فني عماري بديع. الدرع يأتي الدرع في مؤخرة البيت وفي الغالب يكون الدرع بنفس مساحة الحجوة وأكبر قليلاً وينقسم الدرع إلى عدة أقسام أو عدة مطارح مطرح خاص بالحيوانات البيتية كالأغنام والدجاج والأرانب وسمي بالزريبة ومطرح خاص بالمطبخ ويحتوي على المنحاز والموقد والمرهاة ودكتها يطحن الحبوب بحيث يسمح للمرأة بالطحن واقفة ورفقة الشول ثلاجة الماء الطبيعية المصنوعة من جلد الأغنام وبالمطبخ فتح خاصة بكل بيت من البيوت المتجاورة تسمى العكرة وهي وسيلة من وسائل التواصل بين الجيران والاستجابة لطلباتهم المتبادلة وفي طرف الدرع الرضية مكان الطهور في البيت وحمام البيت الذي يطلق عليه زولي. المسلف أو البوني وهو الباب الخلفي للبيت يتكون من فردتين مصنوع من الخشب الجاوي الأحمر والمسلف لايحتوي على زخرف أو زينة أو نقوش كالسدة كونه مدخلاً خلفياً ومن خلاله تتبادل النساء زيارتهن عبر المسالف وادخال الحاجات الخاصة بالبيت كالحطب والمواد الغذائية وأكل الأغنام وتبادل طعم طبخات النساء لبعضهن البعض بعيداً عن أنظار الناس وتسمح مساحة السالف في بعض القرى بادخال سيارة تفرغ شحنتها في الدرع عبر المسلف.