نت / بقلم/ محمد عبدالله بن عميران شكلت البيوت القديمة المنتشرة في معظم قرى ومدن ساحل حضرموت (خاصة مدينة الشحر و غيل باوزير والحامي وغيرها ) تراثاً معمارياً جميلاً رائعاً ، وأصبحت اليوم من أهم الشواهد على عظمة من عاش على هذه الأرض الطيبة من الآباء والأجداد رحمة الله عليهم ، ودليلاً قاطعاً على ماكانوا يتمتعون به من عزم وإصرار على العيش في أوطانهم التي أحبوها في هدوء واطمئنان وأمن واستقرار . وبالقاء نظرة على تلك البيوت نجدها تحتوي على عدة أقسام يرتبط بعضها ببعض لتشكل في النهاية سكناً مناسباً يجد من يعيش بداخله كثيراً من السعادة والفرح وهدوء البال ،ومن تلك الأقسام : أولاً : السدة . وهي أول مايقابلك وأنت داخل إلى البيت القديم ، وتعتبر البوابة الرئيسية له ومدخله الأمامي ، وتختلف السدة بأختلاف كبر البيت وصغره ومكانة ساكنيه المادية والإجتماعية ، ففي بيوت الأغنياء وأعيان البلد تكون هذه السدة كبيرة ذات (ورقتين) أي ذرفتين ويكون أرتفاعها كبيراً وتتميز أخشابها بالقوة والمتانة ، ووجود بعض النقوش الفنية عليها ، أما في بيوت الفقراء وغيرهم من عامة الناس فتكون السدة صغيرة قليلة الارتفاع ، ذات ورقة وأحدة وخالية من أية نقوش ، وتطلق كلمة (السدة) أيضاً على البناء المسقوف في مقدمة البيت والذي يلي البوابة مباشرة في بعض البيوت الكبيرة حيث يخصص هذا المكان في الغالب (وخاصة في القرى الريفية) لربط الحيوانات كالحمير وغيرها ، أو يستعمله الأطفال للعب أثناء النهار عند اشتداد حرارة الشمس ، أو توضع به (الرحى أو المنحاز) وهما من أدوات طحن الحبوب أو دق القهوة حتى يتسنى للجيران استخدامها بكل يسر وسهولة . ثانياً : الحيوة . وتقع مباشرة بعد السدة وهي ساحة واسعة غير مسقوفة ، وتعتبر بمثابة المتنفس للبيت يدخل من خلاله الهواء وضوء الشمس ، وتستعمل الحيوة في الغالب في المساء للسمر والنوم خاصة في ليالي الصيف والخريف ، كما يتم فيها (تبريح) الملابس عند غسلها ، كما تقام فيها حفلات الزواج الخاصة بالنساء ، ثالثاً : الضيقة . وتعتبر أهم أقسام البيت ، وتتكون من (العطفة) التي تكون في المقدمة و(الطول) الذي يمتد حتى نهايتها عند الباب المسمى (باب الدرع) والذي يؤدي بدوره الى (الفاضلة) القسم الذي يلي الضيقة مباشرة ، كما يفتح في مقدمة الضيقة باباً آخر يؤدي مباشرة الى الحيوة يسمى (باب الضيقة) ، وتوجد في أغلب البيوت ضيقة وأحدة ، أما في البيوت الكبيرة فتكون هناك ضيقتان تتوسطهما في بعض الأحيان ضيقة ثالثة تسمى (الضيقة الجر) وتكون هذه الضيقة بدون (عطفة). وتحتوي (الضيقة) في أي بيت على عدد من (المخازن) وهي مستودعات ومظلمة تستعمل لحفظ الأشياء كالأثاث والمواد الغذائية وغيرها ، أو تستخدم لرص محصول التنباك (التبغ) أي خزنه الى أن يحين موعد بيعه ، خاصة في مديرية غيل باوزير التي أشتهرت بزراعة هذا المحصول ، وكانت النساء تستخدم تلك المخازن كأمكنة آمنة للولادة عند شعور إحداهن بألم المخاض ، كما يتم النوم داخل تلك المخازن عند اشتداد البرد أثناء فصل الشتاء . ويوجد في نهاية الضيقة (الرقاد) وهو السلم المؤدي الى (الريم) سطح البيت ، كما توجد (المتاحة) التي تكون تحت الرقاد مباشرة على شكل فراغ توضع فيه أدوات الزراعة وشوار الحمار وغيره . وتخلل جدران الضيقة بعض الفتحات الصغيرة من جانب وأحد يسمونها (الخلف) توضع بها (القفف والمعاشر والفناجين والسرج ) وغيرها، أما في سقف الضيقة فيكون هناك حبل يتدلى يربط في طرفه حديد معكوف يسمى (الكلاب) تعلق فيه (الزنابيل أو الفوانيس عند إشعالها ليلاً)، كما توجد في الضيقة أيضاً (الرفق) وهي أعواد صغيرة تثبت على الجدران لتعليق الملابس والأشياء الأخرى ، أما (المكل والحسر ) فتوضع فوق (المغسي) الذي يكون على شكل عودين ممدودين قرب السقف في نهاية الضيقة . رابعاً : الفاضلة . وتقع مباشرة بعد الضيقة ويفصلها عنها الباب المسمى (باب الدرع) ويكون هذا القسم في الغالب مسقوفاً ، ويحتل الموقد حيزاً من مساحته ، كما توجد به (الدكة) التي يتم طحن الحبوب عليها بواسطة (المرهاة) ويوجد كذلك (الزير والجحلة والقربة ) كما توجد الأدوات الخاصة بالطبخ من (طسوت وكتاتير وتفله وغطية وقفف وزنابيل وغيرها). خامسا: الدرع . ويكون في نهاية البيت وهو يشبه الحيوة من حيث كونه فضاءً واسعاً ويطلق بعض المواطنين على هذا القسم والقسم الذي قبله كلمة (الدرع). ويوجد بالدرع الحمام و (الرضية) وهي مكان الاستحمام والوضوء ، كما يوجد أيضاً (التنور) الذي يتم فيه إنضاج الخبز والخصار(السمك).ويفتح في نهاية (الدرع) باباً صغيراً يؤدي الى الخارج يقال له (المسلف) وهو الباب الفرعي للبيت يتم من خلاله إدخال الماء والحطب ، وتخرج من خلاله النساء أذا تعذر خرجوهن من السدة لظرف ما ، كما يفتح في الجدار الفاصل بين درع البيت والبيت المجاور له فتحة صغيرة تسمى (العكرة) يتم من خلالها تبادل المنافع ونقل الأخبار بين الأسر . هذه صورة لما كانت عليه بيوت الآباء والأجداد وهي صورة إذا ما قارناها ببيوتنا الحديثة اليوم لوجدناها أجمل وأحسن وأروع وأنفع من هذه البيوت المبنية من الحديد والأسمنت ، والمحتوية على غرف ضيقة لا يستطيع