وصل والدي متأخراً من عمله ..بنفس النبرة المعتادة سقطت تلك العبارة اليتيمة من فمه ( حضروا طعام الغداء ) ومن ثم توجه لغرفته ليبدل ملابسه , توجهت إلى المطبخ لأشرع في تجهيز المائدة .. أطفأت النار تحت القدور .. غسلت الأطباق .. أخرجت الملاعق لأعدها قبل أن أغسلها .. استوقفني هذه المرة أمرٌ لم أنتبه له مسبقاً إنه عدد ملاعقنا .. هذه المرة سأقدم ست ملاعق .. ست فقط , منذ ستة أشهر كانت سبعاً ومنذ عامين كانت ثمان .. أما منذ خمسة أعوام فقد كانت تسعاً , منذ ستة أشهر تعاقد شقيقي على وظيفة في مدينة أخرى .. ومنذ ذلك الحين لم أره إلا مرة واحدة , ومنذ عامين تزوجت شقيقتي الكبرى لتتركني خلفها دون أم مع بقية أشقائي .. أما والدتي فقد غادرت باكراً منذ حوالي الخمس سنوات .. تركتنا لنصارع الحياة بمفردنا .. يومها طمعت بأن تزيد عددنا فتركتنا هي الأخرى مع المولود الجديد , أما أنا فلست أطمع بزيادة عدد ملاعقنا .. فمنذ عرفت نفسي علمتٌ أنها لن تزيد .. لم نعرف أقارب أو أهلا ليعيشوا معنا .. و الدتي لم تكن تحب أهل و الدي فعاملها والدي ِِ.. ليتركونا دون ملاعقٍ تؤنسنا إذا ما غادرتنا ملاعقهم .