منذ اللحظة التي رأيته هناك.. لم أعد أخشاه. كانت على يمينه تضج بالحياة وأنا على يساره الأعمى بعيدة، ميتة. ركبا سيارته هو بجسده المصقول وهي بكيانها اللدن، همس الآخر لي عبر فحيح لهاثه. هو من الزبائن الدائمين.. محظوظ. خرج صوتي متحشرجاً: منذ متى يأتي إلى هنا؟ منذ وقت طويل.. هل تعرفينه؟ ولست متأكدة.. لا تخشي شيئاً هو لم يركِ. ثقل الهواء لثوانٍ طويلة امتصت كل رغبتي بالحديث، قص صمتي. هل ترغبين بالذهاب؟ نظرت لوجهه الأليف، ابتسامته الكسلى، أحاديث الليل الفارغة، ممحاة وقتي الطويل..كان، وحين اعتدت على وجود حواراته، دحرج لي اقتراحه عبر عبارة مغبشة: فقط من أجل أن نرى بعضنا بلا خوف. رفضت.. مراراً.. ثم شدّني الفضول، بلبلتني الرغبة بأن أوافق لمجرد رؤية هذه الأماكن، هزمني الإلحاح. هل ترغبين بالذهاب؟ انتبهت لسؤاله وقد غشيه التكرار. كلا.. الآن أنا موقنة مما أريد، لنكمل. استنار محياه.. علته الثقة، دلفنا المبني، وصلنا للمصعد المأفون، حامل الخطى والخطايا، ضغط على الزر، ضغطت على شفتي، شعرت بيده ترفع وجهي المنكس، دهش حين رأى صرامة احتقان وجهي، تخربشه تلك الدموع المتمردة. تريدين العودة؟ لن أفعل إلا ما تريدين. كلا لنكمل. دلفنا لشقته الضيقة، و أثاثها المنهوك مراراً، غبت فيها. حينما عدت إلى بيتي وجدته هناك، بوجهه المصقول سألني أين كنتِ.. صفقت الباب خلفي، فتحت أدراج خيبتي، حزمت أمتعتي..وطلبت الفراق.