حفلات الزواج في اليمن تتحول إلى كرنفال إبداعي ومحفل ثقافي ثلاثي الأبعاد يشترك فيه الموروث الثقافي والمعاصرة والتنوع في التضاريس من جبلية إلى سهلية إلى صحراوية. فتتنوع طقوس الزفاف من منطقة لأخرى، فهناك (الزفاف الصنعاني) و(الزفاف الحضرمي) و(الزفاف العدني) و(الزفاف التهامي) و(الزفاف المأربي)، ولأن الزفاف بعتبر رباطاً مقدساً تحكمه القيم المميزة لكل مجتمع، فإنه يبين عبر مختلف مظاهر الاحتفال بهذا الحدث إلى أي حد يتم التمازج بين الأصالة والمعاصرة في هذا الحفل. واليوم يبدو حفل الزفاف اليمني بكل تأكيد كلوحة رائعة تمتزج فيها الألوان والروائح والتعبيرات المتعددة عن الفرحة من خلال الحركات والأغاني، ويظل الزفاف اليمني شاهداً على تعاقب الثقافات التي طبعت الذاكرة الجماعية لسكان اليمن بما يميزه من تقاليد موروثة تحيله إلى أوقات فرح غامر.. ويتم تنظيم احتفالات الزفاف اليمني وفق جدول زمني يبدأ بتحديد تاريخ حفل الزفاف، وذلك بعد اتفاق أسرتي الزوجين على التفاصيل المرتبطة بظروف الحياة المستقبلية للزوجين، وتقضي التقاليد اليمنية بأن تتم استعدادات الزفاف داخل أسرتي الزوجين كل واحدة على حدة ولا يلتقيان إلا بحلول ليلة الزفاف. يوم «الذبال» وتنطلق هذه الاحتفالات قبل سبعة أيام من يوم ما يسمى ب«الذبال» في العرس الصنعاني، وهي تعد من بين اللحظات الجميلة التي تميز العرس اليمني، حيث يشرع في تهيئة العروسين.. ويشكل (الذبال) لحظة خاصة يستعد فيها أفراد أسرة العروس لفراق ابنتهم، كما تتهيأ فيها أسرة العريس لاستقبال زوجة الابن (أو عروسهم).. وتتزين العروس بالفضة ولباس مطرز فلكلوري جميل، وتبدأ الأسرة بدق الطبول عبر المغنيات والزغاريد والصلاة والسلام على الرسول عليه الصلاة والسلام التي تعتبر مقياساً لاستقبال الضيوف المهنئين، وبمساعدة الأقارب والأصدقاء تتم هذه الاستعدادات التي تتحول إلى لحظات لا تنسى.. بعدها بيومين أو ثلاثة يحدد أهل العروس موعد (الحمام) فيتكفل والدها بحجز الحمام بكامله أو إحدى مقصوراته حسب القدرة المادية لأهل العروسين فتقوم أم العروس بدعوة الأهل من الأخوات والعمات والخالات وصديقات العروس وبنات الجيران لحضور حمام العرس، الذي تذهب إليه العروس في موكب توقد فيه الشموع وتجلجل فيه الزغاريد ويتعالى الهتاف بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام. بعدها في اليوم التالي يبسط جهاز العروس في غرفة خاصة في بيت أهلها أو يعرض في بيت العريس بعد نقله إليه، والذي يشمل مجموعة من المطرزات المختلفة والألبسة الفاخرة والهدايا الثمينة التي تم جمعها أو شراؤها من طرف أم العروس لابنتها من المبلغ الذي تم دفعه من قبل العريس. ليلة الحناء وفي نفس اليوم يحتفل ب(ليلة الحناء) وهي ليلة تجتمع فيها بنات العائلة والصديقات حول العروس يرددن الأغاني احتفاء بالعروس، ويرقصن ويمرحن ويقضين بقية الليلة في بيت العروس.. بالمقابل هناك ليلة للرجال تسبق ليلة العرس تسمى بليلة الحناء، حيث يجتمع عند العريس أصدقاؤه وأقاربه ويقومون بوضع الحناء على يديه ليكون مميزاً بين الآخرين، وفي اليوم التالي (يوم الحناء) أو (يوم الأخضر) كما يقال في بعض المحافظات ومع تدخلات العصر أصبح يقام في القاعات وفقد الكثير من بهجته، حيث كانت تلبس العروس اللون الأخضر تيمناً بحياة مليئة بالخير.. وفي وقت لاحق من نفس اليوم يبدأ حفل الحناء، حيث تقوم (النقاشة) بتزيين يدي ورجلي العروس بنقوش وأشكال دقيقة وجميلة وسط جو عائلي بهيج تفوح منه روائح البخور والعود وماء الورد، كما تقوم بعض صديقات العروس بنقش الحناء على أيديهن تيمناً بها. عقد القران يقام حفل عقد القران أو (المِلكة) قبل الزفاف بيوم أو يومين، فبعد عصر نفس يوم (عقد القران) يحضر والد العريس وأقاربه وأصدقاؤه إلى منزل العروس ومعهم (الشهود) فيتم عقد القران بعد الاتفاق على المهر الذي سيقدمه العريس لعروسه، وهو شيء غير مبلغ ما يعرف (بالشرط) الذي يقدم للإعداد، بعد ذلك يتبادل أهل العروسين التهاني وتنطلق زغاريد النساء ويتم نثر الزبيب واللوز بين الحاضرين في العقد من أهل العرسين. يوم الزفاف وفي قسم آخر من البيت تقوم أم العروس بصحبة عدد من النساء بتقديم مأدبة الغداء والتي تتكون غالباً من الأطباق اليمنية المعروفة كل منطقة حسب مأكولاتها ويعتبر يوم الخميس يوم الاحتفال بليلة الزفاف، ففي عصر ذلك اليوم يقام حفل خاص بالنساء يسمى بيوم (الأبيض) تلبس فيه العروس الفستان الأبيض ويقام حفلها في إحدى القاعات لاحتواء أكبر عدد من الضيوف، في نفس الوقت يقوم والد العريس باحضار (الملبس) وهو رجل متخصص بإلباس العريس لبس الزفاف الخاص بالرجال وتزيينه استعداداً للزفة التي تبدأ من وقت الغداء، حيث يزف العريس بالطبول وهي (رقصة البرع) حيث يؤدي ضارب الطاسة والمرفع وهي التسمية الشعبية لنوعين من الطبول المستخدمة في هذه الرقصة إيقاعات متعددة تبعاً للرقصات المطلوبة مع العديد من الأهل والأصدقاء المقرين وهم متجهون إلى مكان الغداء ومن ثم المقيل وهو المكان الذي يجتمع فيه العريس بضيوفه، حيث يتم توزيع القات على الحاضرين والاستماع إلى عدد من (الوصلات الإنشادية) وفي بعض الأحيان (الغنائية)، وما يميز هذه الجلسة تجمع الأصدقاء والأقارب والضيوف لإضفاء السرور والفرحة وتبادل التهاني لتبدأ مراسيم الزفاف الحقيقية بعد صلاة العشاء وهي أهم مراسم الزواج، حيث يحضر العريس إليها بلباس خاص ومميز يطوقه الفل والريحان.. وفي حين وصوله يصطف الناس حوله على شكل مستطيل وتبدأ مراسيم الزفة، حيث يردد المنشد أبياتاً شعرية ملحنة يحفظها الكثيرون ممن يرددون بعده (صوت جماعي) وتطلق الألعاب النارية تعبيراً عن الفرحة بهذه المناسبة.. وتستمر الزفة حوالي ساعة تقريباً بعدها يدخل العريس إلى منزل الزوجية منتظراً حضور زوجته التي تأتيه في سيارة مزينة بعد أن تجولت في موكب كبير من السيارات في شوارع المدينة. في اليوم التالي الذي يعقب ليلة الزفاف يخرج العريس في موكب مهيب على دقات الطبول بعد أن يستقبل المهنئين له من أهل عروسته التي جرت العادة أن يأتوا للتهنئة صباح اليوم التالي للزفاف للتنزه خارج المدينة ثم يعود إلى منزله. بالمقابل يمتلئ البيت من المهنئات من الأهل والجيران والأصدقاء المقربين من العريس لتهنئة العروس. وأخيراً الشكمة اليوم الثالث يسمى في بعض المناطق (الشكمة)، وهو احتفال تقيمه والدة العروس لابنتها في منزل والدها، حيث تم دعوة جميع من حضر العرس لحضور هذا الاحتفال في بيت والدة العروس، وعادة تأتي العروس إلى هذا الاحتفال وهي بلباس فلكلوري مطرز مع تاج يمني قديم يوضع على الرأس ويستمر هذا الاحتفال من العصر وحتى المساء، حيث تعود العروس بعدها إلى بيت زوجها.