لشهر رمضان في باب اليمن بالعاصمة اليمنيةصنعاء طعم آخر ولون مختلف ورائحة فريدة خصوصاً في لحظات العصاري«عند العصر» ،حيث يزدحم الباعة والمشترون ،وتتصاعد روائح البخور وعبق الحناء البلدي ،فيما تمنح خيوط الشمس الصفراء للقلوب فرحة رمضانية لا توجد سوى عند الإفطار ..صحيفة الجمهورية تجولت في افياء هذا الباب التاريخي وسوقه الذي يحتضنه في الاستطلاع التالي: الزحام في صنعاء على أشده ..زحام الكتل البشرية وزحام السيارات التي خرجت من جمودها بفعل توفر الوقود ،والطريق إلى باب اليمن طويل بفعل هذا الزحام الخانق ،..آلاف الوجوه المختلفة تنشد حاجتها وصدى ميكروفونات الباعة يجلجل الفضاء الصائم ،والبوابة الصامتة «باب اليمن» رابضة كاسد أسطوري تحدق في أولئك البشر المنتشرين كذرات الرمال ،فيما منازل صنعاء القديمة تتلألأ بجصها الأبيض وزجاجها المعشق بالألوان ورمضان يتراقص بعقاربه على سقوفها ..الحياة تمضي بجهد رغم غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار ،واستجداء الرزق ازداد إلحاحا ‘حيث تحول الباعة المتجولون الى لحوحين في جلب الزبائن أولئك الزبائن الذين أرهقهم هم الحياة اليومي ،ويقلقهم مستقبل اليمن ،وشققت الزحام مخترقا الأجساد البشرية كي اصل إلى عتبة بوابة باب اليمن العملاقة ،وبالكاد وصلتها وبضائع رخيصة مكدسة تنتشر في كل بقعة بحيث لم تترك ذرة للفراغ يشغلها،إنها طلبة الله ليس أكثر كما يقول احد الباعة التي وان كانت شاقة فهي أفضل من السرقة او التسول،وعكس التيار الهادر الخارج من البوابة وصلت مبتغاي المنشود. جمال رمضاني كل ما يقع في حضن باب اليمن جميل وتاريخي..الأحجار التي تفترش الأرض والعقيق اليماني والحلي والمصوغات الفضية القديمة ،ومواويل الباعة التي تتردد في ميكرفوناتهم اليدوية ،وملابس الأطفال المزركشة ومعارض الثياب الملونة ،ومما لفت انتباهي وانتباه الآخرين بائع يردد ميكروفونه:كل شيء على مائتي ريال ..كل ما هو معروض بمائتي ريال ،وكانت كل البضائع المعروضة يصل سعرها الى الضعف في المتاجر الأخرى..دهون وشامبوهات وعطورات وصوابين وملاعق وغيرها ،ودونما حرج سألت البائع ان كانت تلك البضائع منتهية الصلاحية او رديئة او ان فيها عيباً أدى إلى وصولها إلى ذلك الثمن البخس ،ورد بثقة زائدة: انها بضائع لا تختلف عن تلك المنتشرة في المحلات الأخرى ،وليست منتهية الصلاحية ،ثم قرب إلى عيني إحداها ليثبت صدق حديثه ،وأضاف في سياق حديثه : إنني اشتري هذه البضائع بالجملة ،واعرضها هنا على الهواء الطلق بلا إيجار ماء او كهرباء ،ومن هنا احصل على ربحي البسيط ،واشتريت منه قارورة عطر بمائتي ريال وانا غير مصدق انه عطر رغم رائحته النفاذة ،وشك يخامرني اني بمجرد مغادرة ذلك البائع سوف تتبخر قارورة عطري الرخيصة ولو بعد ساعتين على الأكثر،وواصلت طريقي مخترقاً أصواتاً تجارية حتى وصلت سوق الحلي والمصوغات الفضية . مزايا خاصة أسواق اليمن لها مزايا خاصة تختلف عن بقية الأسواق العربية ،ربما لأنها ممزوجة بعسجد التاريخ ،لكن هذا السبب وحده لا يكفي ،وهناك أسباب اخرى تميز اسواق اليمن منها حفاظها على عبقها القديم في البيع والشراء ،وتمسكها بحرفها اليدوية البسيطة التي تمتزج في سقسقات العابرين ،وسوق الملح في صنعاء القديمة الذي يصل عمره الى اكثر من ثمانمائة عام تبهجك التواءاته المعقدة ،وتطربك بهرجاته ومواويل بائعيه ،فسوق الجنابي على سبيل المثال يبذر في الأعماق زغرودة ،وكلما تأمل الزائر في فسيفساء العسيب المذهب او حزام الجنبية والجنبية نفسها ذات الرأس الرهيب والموشاة بالذهب الخالص يحس انه يتغلغل في اعماق الفرحة ،ويتزاحم الحبور..حبور الاكتشاف المنبعث من دهاليز السوق ..البن .. الزبيب ...الحناء ..البخور ...العقيق ..الجنابي ..العسوب ..الفضة .. والنحاس المتلألىء..الحلي المختلفة والثياب المطرزة ،ومختلف بضائع العيد القادم المتجمهرة أمام الأعين التي غالبا ما تردد: العين بصيرة واليد قصيرة ،كما تظل هذه العيون تدعو الله ليل نهار ان يحفظ اليمن التي بحفظها من كل مكروه يستطيع الحالمون بمستلزمات العيد ان يحصلوا عليها ويزرعون الفرحة على شفاه أطفالهم ،ويستمر تسكعي اللذيذ في متاهات السوق وحزن يحز في قلبي على سياحة اوشكت المشاكل المجنونة أن تميتها ،نقلت بصري بين وجوه عدة وبضائع عدة ،وعقارب الزمن تتدحرج صوب الغروب فيما خطوات مستعجلة بدأت تحث سيرها في لحظة فجائية أدركت فيها دنو لحظة الإفطار تلك اللحظة التي يكلف الاستعجال إليها أحيانا حوادث قد لايحمد عقباها فتحرم اصحابها المستعجلين من سعادات أيام رمضان المقبلة. انطباع فريد اسندت ظهري على بوابة باب اليمن ماسحا ببصري فناءها الذي بدأت الوجوه تتهارب منه الى مبتغاها..كان لرمضان في تلك البقعة بالذات من اليمن عموما ومن صنعاء خصوصا انطباع فريد قلّ ان تجده في مكان اخر ،وصمد بائعو الخبز واللحوح والتمر لعل رزقهم يأتي اليهم في تلك اللحظة وكان ميقاتهم في محله فقد تكاثر الزبائن عليهم وتهللت اساريرهم المتجهمة ،فيما ارتفعت أبواق السيارات لتزعج صنعاء القديمة وباب اليمن الشاهد على مر العصور ،الذي ما زالت ذاكرته التاريخية تحمل في خلاياها قصص كل الاجيال المتسوقة التي دخلت وخرجت من عتبته ،وغادرت الباب وفي نفسي أمل ان يحفظني الباب التاريخي في ذاكرته .