بكومة من المشاعر أجلس للكتابة، ألمح كتاب العالم لخوان مياس على طرف المكتب فأرتجل العنوان . - العالم بعيد المنال- وأفكر أني سأطهو اليوم حماماً محشياً بالأرز والفلفل الأسود ، وقلقاس ، وسأخبز فطيرة سبانخ ، وسأجرب الصلصة التشيلية التي شاهدتها أمس على قناة فتافيت، تلك التي صب فيها مشروب الشعير على اللحم المفروم والتوابل ومعجون الصلصة، وتركها على النار حتى نضجت ، الطريقة التي أغمض بها عينه لحظة أن تذوقها ، حسية تماما. تذكرني بالسحابات التي ظلت تزاولني طيلة أسبوعين، كلما نظرت للسماء الواسعة الرحبة التي أراها بعيدة وساحرة على حافة الصحراء باذخة الجمال التي أسكن بها كتعويذة لقاء. سحابات السماء تمارس الحب مع بعضها في وضوح محير ، لا تخجل من امتطاء بعضها ، والتسابق على احتواء تفاصيل غزلها الأبيض للرمادي . السحابات الزرقاء أكثرها مجونا، يعض بعضها بشبق، تنسل حتى تلج بعضها وتصبح كتلة واحدة، وتمنحني إشارة متعة، ابتسم لها بلا خجل ودون ذرة حياء، ولا أخفض بصري بل أتابعها بابتسامة منفلتة لا تفارق روحي . في المساء أحكي لمحمد عن السحابات ، يضحك ضحكته الطفولية ويعلق بلطف “ إيه السحاب المنحرف ده» محمد الذي أخفى القمر عن العالم في إحدى قصصه ، ويظن إني لا أحب كتابته ، لأني لا اعلق على ما يكتب واكتفي بابتسامة صامتة ، بينما أتحدث عن كتابة أصدقائي بشغف ومحبة ، محمد الذي يعايرني بقراءة ماركيز ويوسا ويهددني انه سيقتل إيزابيل أليندي التي تقف بيني وبينه ، بينما يتشبث هو بصبري موسي ومحمد عبد الحافظ رجب وخيري شلبي وأصلان ومستجاب . محمد الذي يفعل كل ذلك بضمير مرتاح وأعصاب باردة ، يسخر من سحاباتي النزقة ويتهمها بالانحراف، فأنتقم أنا منه في الكتابة كأي فتاة مقهورة، مكسورة الجناح. في بداية اليوم أسحب علبة سجائري المختبئة في رف المكتبة الخاص بأدب أمريكا اللاتينية، اليوم كانت بين (عشت لأروي) و ( في مديح الخالة) أدخن سيجارة على عجل في الحمام، وأعود لحجرتي كفتاة صالحة. أتذكر مطر المساء، وأعرف أن اليوم ذكرى 25 يناير، وأن الميدان يحمل في جسده ذكرى الدم والأمل والرهبة والمحبة التي وحدت هذا الشعب. أفكر أنها كانت مرة سحرية أطبقنا فيها جميعا أيادينا على قلوب بعض، بدا المشهد كجلسة سحرية لطرد الأرواح الشريرة. أتحسس خيبة الأمل ، وأفكر في نواب البرلمان ، وحديث صديق مقرب عن ضرورة إلغاء القبلة في السينما . هل سندخل النار جميعا بسبب قبلة على شاشة السينما ، أفكر ماذا سيحدث لي أنا و أصدقائي الذين يحبون فيلم (سينما براديسيو) لتورناتوري أبحث الآن عن جملة لأنهي هذا النص، فلا أجد فأتركه هكذا مرتبكا ، وحذرا ، ومحملا بالأمل ككل ما نصادفه في العالم ونفكر أنه ربما يبدو حقيقيا وسيستحق أن نجربه. -1 من مدونات كراكيب لنهىمحمود.