في دنيا الناس هناك الكثير من المشاهدات اليومية التي نعيشها وتسترعي فينا الشعور بالإحباط، فتبقى أنفس البعض منا بين مطرقة اليأس وسندان الموت الذي ربما قد يتمناه البعض.. لسان حاله: ألا موت يباع فأشتريه فهذا العيش ما لا خير فيه ألا موت لذيذ الطعم يأتي يخلصني من العيش الكريه إذا أبصرت قبراً من بعيد وددت أنني مما يليه ألا رحم المهيمن نفس حر تصدق بالوفاة على أخيه ومرد ذلك يعود -باعتقادي- إلى الروح المحبطة والنكدية التي يعيشها البعض منا وهو يواجه هموم وصعاب هذه الدنيا التي (طبعت على كدر وأنت تريدها.. صفواً من الأقذار والأكدار). إن الوضع الطبيعي والصحيح للعيش بوسطية في هذه الحياة أن نكون متفائلين بانضباط فلا إفراط ولا تفريط، بحيث أن يكون من الطبيعي أن تتجاذبنا دواعي النفس المختلفة ونقع بين شدّ وجذب، وبين دفْعٍ ورفع نبتسم حيناً، ونكتئب أحياناً، نفس تنتعش حيناً تفاؤلاً وبهجة، وتنتشي يوماً فرحاً وسعادة، وقد يخبو بريقها أحياناً أخرى فتنزوي هناك حزناً واكتئاباً، فبين التفاؤل واليأس – كما يقرر البعض - شعرة، وبين الحزن والفرح خطوة. وقد تقعُ النفس – كما يقال - فيما تقَع فيه من ألمٍ، وقد يطغى صوت البكاء وداعي الحزن واليأس على كل داعٍ، وترجحُ كفة الاكتئاب والقلق، وما تلبث نفس المؤمن إلا قليلاً حتى تستفيق وتتذكّر خوالجها حقيقة الرضا والصبر والتوكل. لقد تعجبت كغيري مما ذكره دايل كارنيجي في كتابه دع القلق وابدأ الحياة قصة رجل أصابته قرحة في أمعائه، بلغ من خطورتِها أن الأطباء حددوا له أوان وفاته، وأوعزُوا إليه أن يجهز كفنه، قال: وفجأة اتخذ «هاني» - اسم المريضِ – قراراً مدهشاً إنه فكر في نفسه: إذا لم يبق لي في هذه الحياةِ سوى أمد قصير، فلماذا لا أستمتع بهذا الأمد على كل وجه؟ لطالما تمنيت أن أطوف حول العالمِ قبل أنْ يدركني الموت، ها هو ذا الوقتُ الذي أحقق فيه أمنيتي، وابتاع تذكرة السفر، فارتاع أطباؤه، وقالوا له: إننا نحذرك، إنك إن أقدمت على هذه الرحلة فستدفن في قاعِ البحرِ!! لكنه أجاب: كلا لنْ يحدث شيء من هذا، لقدْ وعدت أقاربي ألا يدفن جثماني إلا في مقابرِ الأسرة. وركب «هاني» السفينة، كأنه يقرأ التفاؤل على صفحة من كتاب تعريفه بأنه ذلك الشعور بالرضا والثقة بالنفس والسيطرة على المشاعر المختلفة، إدراكاً منه أن حالة التفاؤل التي يريد أن يعيشها ما هي إلا نعمة من الله أنزلها للإنسانية، وهي هديته الغالية لنا لتضيء نفوسنا وتنير دروبنا مهما تعقدت الحياة من حولنا، وساءت حالتنا، وهي وقود الروح تمده بحالة إيجابية تجعل صاحبها يرى الفرص المتاحة بدل من الفرص الضائعة، وينظر إلى ما يملكه بدل أن ينظر إلى ما خسره. وبدأ الرجل رحلة مشبعة بالمرحِ والسرورِ، وأرسل خطابا لزوجته يقول فيه: لقد شربت وأكلت ما لذّ وطاب على ظهرِ السفينة، وأنشدت القصائد، وأكلت ألوان الطعامِ كلَّها حتى الدسم المحظور منها، وتمتعت في هذه الفترة بما لم أتمتع به في ماضي حياتي، ثم ماذا؟! ثم يزعم دايل كارنيجي أن الرجل صحَّ من علته، وأن الأسلوب الذي سار عليه أسلوب ناجع في قهرِ الأمراض ومغالبة الآلامِ!! فمتى نعي وندرك أن السرور والفرح والارتياح أعظمُ بكثيرٍ من العقاقيرِ الطبيَّة في بعض الأحيان، متى يدرك أولئك الذين سلكوا طرق القنوط ومواطن اليأس أن النفس تجمل عندما تشق الصخر، وتشق الجليد، وتميل عنقها تبحث عن النور وسط الظلمة، تزيح عن أوراقها الرقيقة حبيبات الجليد رغم الصقيع ومرارة الضيق، على الرغم من قسوة الطريق. متى تنتهج النفس نهجاً تغذي بها قلبها المنهك لتصبح كوكباً دريّاً منيراً رغم الاسوداد، تنثر العطر أينما حلّت.. تشرق ابتسامتها أنّى وُجِدَت، تشارك الكل همومهم.. ولا تشعرهم بهمومها، تبقى مستبشرة مبتسمة، راضية بقضاء ربها، أمور مجتمعة لن تحصل للنفس ما لم تبق دوماً متفائلة.. متفائلة بالغد بأن سيكون بإذن الله أحلى، موقنة بأن التفاؤل كلمة والكلمة هي الحياة، لا يتزعزع إيمانها بأن التفاؤل يولد الأمل ومن الأمل يولد العمل ومن العمل يولد النجاح. واعلم يقيناً حادثة وقعت لرجل أكاديمي شاءت الأقدار أن يتعرض لحريق في أجزاء من جسده، مشكلته أنه كان كثير الضجر ولا يؤمن بالتفاؤل كعلاج لحالته النفسية المحبطة التي يعيشها، فجاءه أحد الأطباء يخبره بأن كلتا كليتيه أصبحتا لا تعملان بشكل طبيعي الأمر الذي جعله يشعر بيأس من شفاء حالته، تعكر مزاجه وهو في تلك الحالة، تمعر وجهه لكأن الدنيا قد أطبقت عليه، تصبب عرقاً خوفاً من المجهول الذي ينتظره، ما هي إلا أيام وتسوء حالة الرجل النفسية قبل البدنية وتتدهور حالته بسرعة فائقة انتهت به إلى الموت. للأسف المتشائم لا يجيد التكيف مع الأوضاع الجديدة؛ لأن موقفه سلبي يعميه عن رؤية الحلول الممكنة، والمتفائل أكثر سعادة وأوفر صحة وأقدر على إيجاد حلول للمشاكل؛ إذ يواجهها بالقول: سوف أتمكن من معالجة هذه المسألة أو هذا التحدي، مصبراً نفسه بالقول "إنا لله وإنا إليه راجعون". متى نعي وندرك أن التفاؤل يولد سكينة النفس والرضا بقضاء الله وقدره نظراً لما يمثله من اتصال القلب بالرب جل وتعالى؛ فالصلاة تفاؤل والذكر تفاؤل؛ لأنه يربط الفاني بالحي الباقي، فضلاً عن أنه يمنح المرء قدرات واستعدادات وطاقات نفسية لا يملكها أولئك المحبوسون في قفص المادة، ولا أنسى من القول إن حسن الظن بالله تعالى هو قمة التفاؤل، كما إنه سنة نبوية فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «تفاءلوا بالخير تجدوه». [email protected]