السلطة المحلية بمارب توجه بتحسين الأوضاع العامة بالمحافظة    صحيفة بريطانية تفجر مفاجأة.. الحوثيون دعموا تنظيم القاعدة بطائرات مسيرة    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل محسن أبوبكر بن فريد    قناص اسرائيلي شارك في حرب غزة يستفز طلاب جامعة جوروج واشنطن المتظاهرين وهكذا كانت ردة فعلهم    بيان حوثي بشأن إغلاق مكتب قناة الجزيرة    الوكيل الحسني يطلع على سير اعمال مشروع إعادة تاهيل الشارع العام مدخل مدينة الضالع    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    افتتاح دورة مدربي الجودو بعدن تحت إشراف الخبير الدولي ياسين الايوبي    الحبيب الجفري ناعيا الشيخ بن فريد.. أكثر شيوخ القبائل والساسة نزاهة في بلادنا    خصوم المشروع الجنوبي !!!    قيادي حوثي يعاود السطو على أراضي مواطنين بالقوة في محافظة إب    سر خسارة برشلونة لكل شيء.. 270 دقيقة تفسر الموسم الصفري    الدوري الانكليزي: خماسية صارخة لتشيلسي امام وست هام    مجلس القضاء الأعلى يقر إنشاء نيابتين نوعيتين في محافظتي تعز وحضرموت مميز    إنعقاد ورشة عمل حول مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مميز    تنفيذي الإصلاح بالمهرة يعقد اجتماعه الدوري ويطالب مؤسسات الدولة للقيام بدورها    بعد رحلة شاقة امتدت لأكثر من 11 ساعة..مركز الملك سلمان للإغاثة يتمكن من توزيع مساعدات إيوائية طارئة للمتضررين من السيول في مديرية المسيلة بمحافظة المهرة    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    تقرير يكشف عن توقيع اتفاقية بين شركة تقنية إسرائيلية والحكومة اليمنية    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    ماذا يحدث داخل حرم جامعة صنعاء .. قرار صادم لرئيس الجامعة يثير سخط واسع !    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    عندما يبكي الكبير!    غدُ العرب في موتِ أمسهم: الاحتفاء بميلاد العواصم (أربيل/ عدن/ رام الله)    حادث تصادم بين سيارة ودراجة نارية على متنها 4 أشخاص والكشف عن مصيرهم    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    أطفال يتسببون في حريق مساكن نازحين في شبوة بعد أيام من حادثة مماثلة بمارب    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    كارثة وشيكة في اليمن وحرمان الحكومة من نصف عائداتها.. صندوق النقد الدولي يدق ناقوس الخطر    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    صندوق النقد الدولي يحذر من تفاقم الوضع الهش في اليمن بفعل التوترات الإقليمية مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عدن .. عروس تستحم بماء البحر وتشعل بخورها من فوهة البركان
حكمها الصليحيون والرسوليون والطاهريون
نشر في الجمهورية يوم 08 - 04 - 2013

التحديدات الخاطئة لبعض المعالم والأماكن، ما بقي منها وما انطمر، المتفشية في كتب التاريخ وغيرها، عند المتقدمين والمحدثين على حد سواء، ربما كانت نتيجة تقصير من جانب المحقق أو كاتب التاريخ في استقصاء كل ما ورد عنها في مختلف المصادر، أو اكتفائه بالاقتداء بمن سبقه إلى تحديدها دون تحقيق ولا تمحيص، أو قلة مصادر، وربما نتجت عن غرور، ركب هذا أو ذاك فصور له أنه قد بلغ من العلم وبمواقعها حداً لم يبلغه أحد من قبله، فركب رأسه، ومضى في تحديده لها على غير هدى كحاطب ليل، رافضاً الاستماع لمرشد في ذلك، أو حتى الاستعانة بخريطة للمنطقة التي توجد فيها ما يحققه من المعالم والأماكن، فجعل في الغرب ما كان منها في الشرق، وفي الجنوب ماهو في الشمال، أو العكس، وقد تأتي عن فهم خاطئ للنصوص التي تصفها وتشير إلى مواقعها.
ومما أخطأ بعضهم في تحديد موقعه من المعالم التاريخية « باب البر» و «جبل الخضراء»، من معالم عدن القديمة، وسنحاول في الصفحات التالية إن نتعرف، من خلال النظر فيما ورد عن هذين الأثرين من الإشارات القليلة في بعض المصادر، على ما يدلنا على الموقع الصحيح لكل منهما، ثم على أوجه الخطأ في تحديد بعضهم لموقعيهما.
باب البر :
يقول المقدسي «أبو عبدالله»، الجغرافي والرحالة العربي المشهور، أن النفق الذي يؤدي إلى البر من عدن يقفل بباب من حديد «1».
وقال أبو الفداء : « وعدن في ذيل جبل كالسور عليها وتمامه سور البحر، ولها باب إلى البحر وباب إلى البر، يعرف بباب الساقيين، والماء العذب ينقل إليها «2».
وقال القلقشندي «أحمد « أن الجبل المحيط بعدن مثقوب من ناحية البر في موضعين، من خلالهما فقط يستطيع الأهالي الدخول والخروج «3».
هذان الثقبان أو النفقان أشار إليهما محمد بن عبدالمجيد صاحب «قلائد الجمان» بقوله أن الإفرنج يعني البرتغاليين « أحرقوا البغدة الكبيرة والبغدة الصغيرة» «4» فالبغدة بلهجة العامة هي النفق.
كما ترى هذين النفقين كمخرج من كريتر إلى البر في خريطة الكابتن هنتر المرفقة بالتقرير الذي وضعه عن عدن ونشر في 1877م، أي بعد احتلال عدن بحوالي 38 سنة فقط، وفي قوله في وصف مخارج عدن : « هناك ثلاثة مخارج من كريتر : إلى الجنوب بوابة عليها جسر تؤدي إلى خليج حقات، حيث توجد مقبرة للإنجليز، وإلى الجنوب منها يمتد رأس معاشق، الذي أقيم عليه فنار، حيث يعتقد أنها توفر للسكان جواً لطيفاً في الطقس الحار.
ثم نفق يوصل كريتر بالبرزخ، وإلى الشمال من كريتر يقوم الباب الرئيسي الذي يؤدي إلى الميناء، والوصول إليه من ناحية المدينة عبر تل عمودي الانحدار، ومن ناحية الميناء يمكن تسلق جانب التل عبر مسالك ملتوية قبل حالة المد «5».
وفي كتاب «تاريخ الدولة الرسولية» لمؤلف مجهول جاء ما يلي : «دخل مولانا السلطان الملك الناصر الثغر المحروس، وهي أول دخلة دخلها، نهار 24 من شهر شوال سنة 809، وابتدئ بعمارة باب الزيادة على باب ثغر عدن المحروس من جهة البر نهار 25 من شهر شوال سنة 809»6».
أما الهمداني فيقول في كتابه : «صفة جزيرة العرب» : «وهي (يعني عدن) أقدم أسواق العرب، وهي ساحل يحيط به جبل لم يكن فيه طريق فقطع في الجبل باب بزبر الحديد، وصار له طريق للبر «7».
وقد أقحم حمزة لقمان في نص الهمداني هذا كلمات لا أدري إن كانت من عنده أم نقلها عن مصدر آخر لم يذكره، فقد قال : «ذكر المؤرخ اليمني الهمداني : أن عدن أقدم أسواق العرب، وهو ساحل محاط بسلسلة من الجبال لا يمكن لأحد أن يدخل المدينة إلا إذا تسلق جبل التعكر الذي يفصل المدينة عن البر، فدعت الضرورة إلى القيام بقطع الصخر الأصم في أوطأ جزء من الجبل، وأحدثوا به ثقباً بالمطارق الحديدية والأزاميل، وجعلوا فيه باباً أطلقت عليه عدة أسماء في عهود مختلفة منها باب البر، وباب اليمن، وباب عدن بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر.
وحينما احتل العثمانيون اليمن وعدن وسعوا الثقب، وأقاموا فيه ثلاثة أبواب ضخمة متتالية أولها مصنوع من الحديد وينزلق من أعلى إلى أسفل وكان الحراس يحرسونها ليل نهار خوفاً من الهجوم المفاجئ من البر..وكان المدخل ضيقاً وطريقه غير معبدة، وبعد الاحتلال الانكليزي بست سنوات وسعه الانكليز فاستطاعت جواري الجمال والخيل أن تمر فيه : وبعد اختراع السيارات زادوا في توسيعه وعبدوا طريقه بالأسفلت، وفي سنة 1957م زادوا في توسيع الباب حتى صار يتسع لمرور سيارتين ضخمتين «8».
هذا ما جاء في كتاب حمزة «تاريخ عدن..» عن باب عدن، وقد اختلط فيه كما نرى ما نقله عن كتاب الهمداني بما نقله عن المصادر الأخرى التي لم يذكرها، كأسماء باب عدن في مختلف العهود، والأبواب الثلاثة التي أقامها به العثمانيون، إذ لا توجد فيه علامات تنصيص تميز النص المنقول عن كتاب الهمداني عن غيره.
ويرى حمزة كما يتضح من كلامه أن الثقب الذي نقر في أصل جبل التعكر كمخرج لعدن إلى جهة البر هو باب العقبة، الثلمة المنحوتة بذروة التل « العقبة» والعجيب أنه لم يشر في كتابه ، إطلاقاً، إلى البغدة، مع أنه كما أعتقد كان واحداً من صبيان عدن الذين كانوا يذهبون للتفرج على البغدة وهي مضاءة بنور الفوانيس ليلاً ونهاراً، بعد أن رممها الانجليز وجعلوها صالحة لمرور قوافل الإبل التي كانت تجلب الحطب والفحم والقصب والخضار والفواكه من البر إلى عدن، ولم تقفل إلا بعد استعمال الطريق البحرية التي أنشئت في الأربعينيات كما ذكر بلحف الجبل، والتي تدخل كريتر من ناحية المحكمة العليا، وكانت حتى عهد قريب جداً لا تتسع إلا لعبور الجمال والمشاة فقط.
ولا أدري كيف فات حمزة لقمان ومن أخذ عنه، أن النفق لا يكون برأس الجبل أو التل، وإنما يكون بأصله وذلك من أجل تجنب مشقة صعود الجبل وهبوطه، أما أن يجعل بذروته فإن هذا الغرض الذي من أجله تصنع الأنفاق لا يتحقق، وخير منه هنا الثغرة والأخدود، فباب العقبة إذن ثلمة نحتت بقمة أقصر تل بين كريتر والبرزخ وليس ثقباً، ومما يؤكد ذلك الجسر الذي كان قائماً عليه حتى أواخر الخمسينيات، ولو أنه كان ثقباً لما لزم لعبوره بناء جسر عليه، فالجسور لا تتخذ كما نعلم إلا على الأخاديد والثلم، تلك من البديهيات الهندسية التي تدرك على البديهة دون رؤية وطول تفكير.
وتجمع كل المصادر التي ذكرناها على أن باب عدن إلى ناحية البر كان نفقاً، نقب بأسفل الجبل الذي يحيط بها من جهة البرزخ الذي يربط جزيرة عدن بالبر، والواقع بين ساحل أبين شرقاً والخليج العربي أو الخلفي غرباً، ويخبرنا عمارة الحكمي أن المكرم ولد الداعي علي بن محمد الصليحي زوج السيدة أروى بنت أحمد، بعد أن أزال بني معن عن عدن ولاها العباس ومسعود ابني الكرم الهمداني، فجعل للعباس حصن التعكر على باب عدن وما حصل من البر، وجعل لمسعود حصن الخضراء المستولي على البحر وعلى المراكب والمدينة، واستحلفهما للحرة الملكة السيدة بنت أحمد «9»، وأن الداعي سبأ بن أبي السعود بن زريع دفن « في سفح التعكر من داخل البلد» «10».
فجبل التعكر كما يفهم من كلام عمارة هو الجبل الذي نقب في أصله باب البر، وحصن التعكر على قمته فوق الباب، وله سفح من داخل البلد، أي كريتر، وهو واحد من الجبال العالية المحيطة بها بدليل أن الحصون كانت قديماً لا تشيد إلا على قمم أعالي الجبال والتلال، وهذا الوصف ينطبق تماماً على الجبل الذي نقب بأسفله النفق، وهو متصل بالعقبة من ناحية الشرق. ويظهر على قمته في الوقت الحاضر الحصن الذي نصب عليه جهاز تقوية البث التلفزيوني على يمين الصاعد إلى باب العقبة من الداخل، أي من كريتر.وفي أيام الكابتن هنتر كان يسمى كما يظهر من خريطته «جبل المنصوري» وعليه، إلى اليوم ، آثار أسوار وحصون قديمة.
وكانت الطريق من البر إلى البغدة، أي النفق، تمر محاذية لأول جبال حديد من الشرق، حيث تقوم اليوم دار سينما سبأ «26سبتمبر» ثم تدخل من بوابة بلحف جبل حديد وطرف السور الممتد جنوباً من جبل حديد إلى الجبل المقابل له من الجنوب والممتد شرقاً وغرباً، وتتجه جنوباً قاطعة الفضاء بين الجبلين، ويسميه هنتر «البرزخ الكبير» وتقوم عليه اليوم منشآت تابعة لهيئة المياه، ثم تدخل النفق القصير أو البغدة الصغيرة، وهي بأصل الجبل الجنوبي الممتد شرقاً إلى جوار «إدارة التربية» في الوقت الحاضر، وتخرج من النفق القصير إلى شعب يسميه هنتر «البرزخ الصغير» بين هذا الجبل وسفح الجبل الكبير الذي نقب بأصله النفق الطويل أو البغدة الكبيرة وتظهر فتحة النفق الطويل مقابلة لمدرسة ثانوية الجلاء من ناحية الغرب، وتخرج من النفق الطويل إلى داخل عدن، من الجانب الآخر من الجبل، عند أسفل العقبة ، مقابل مبنى «معهد الفنون الجميلة» في الوقت الحاضر.
ويبدو أن جوانب النفق كانت تتحلل باستمرار بفعل الرطوبة والزلازل، فكانت الأتربة والحجارة المتساقطة منها تتكوم على أرضه فتعرقل السير بداخله وقبل أن يرممه الإنجليز كان كما أخبرني أحد المسنين من الجمالة أشبه بالمغارة المسدودة، ولهذا السبب لا يستبعد أن يكون الملك الناصر الرسولي, السالف الذكر أمر بفتح «باب الزيادة على باب ثغر عدن» فباب العقبة هو في رأيي «باب الزيادة».
لكن الوصول إلى باب العقبة من جهة البر لم يكن ميسوراً كما في الوقت الحاضر، فقد كانت مياه البحر وقت المد تغمر أطراف السفوح الغربية لسلسلة جبل حديد الفاصلة بين البرزخ الكبير والخليج العربي، خاصة عند لحف جبل حديد الذي شيدت على ذروته مدرسة خاصة ويقع تحته من ناحية الغرب رصيف صغير تابع للقوات المسلحة، ويدل نحت أطراف سفح جبل حديد، عند هذا الرصيف والأطراف الأخرى على طول طريق المسايرة للحف الجبل يدل على أن هذه الأطراف كانت تمتد إلى البحر، وأنها اقتطعت عند شق الطريق من البرزخ إلى المعلا وباب العقبة، فهذه الطريق المسايرة للحف جبل جديد من ناحية الغرب هي في الواقع طريق صناعية انتزعت من أطراف سفح هذا الجبل.
وكانت هناك كما يبدو طريق أخرى تصل البرزخ الكبير بباب العقبة عبر فتحات شقت بالجزء المنخفض من التلال القصيرة التي تربط جبل حديد بالعقبة، وتقابل هذه التلال من ناحية المشرق حالياً مبنى شركة النفط وسالك هذه الطريق يكون بالطبع بمنعة من مياه البحر التي قال عنها هنتر أنها كانت تغمر وقت المد بعض المواضع من الطريق المسايرة للحف جبل حديد، وهذه الفتحات مسدودة الآن بحيطان ربما كانت من التحصينات الانكليزية حول البرزخ الكبير.
ومن الشواهد على أن باب البر أو باب عدن القديم، هو النفق وليس الثلمة التي برأس العقبة، أن الثلاج، وهي قناة للماء مقامة على قناطر أجراها الملك عامر بن عبدالوهاب، آخر ملوك بني طاهر من بير محيط وهي العماد «11» كانت تنتهي عند باب عدن على ساحل أبين، في الفضاء الذي يسميه هنتر البرزخ الكبير، بدليل قول ابن الديبع في كتابه «الفضل المزيد على بغية المستفيد» أن الأمير سلمان قائد التجهيزة البحرية التركية «رجع هو وأصحابه إلى جهة، عدن فنزلوا بساحل أبين تحت حصن الخضراء ، ونزل جماعة من أصحابه ليستقوا من الثلاج»12» إذ أنه من المستحيل أن تذهب هذه القناة صاعدة إلى العقبة أو حتى إلى أسفلها.
هذا إلى أن تحصينات عدن من جهة البر كلها كما نلاحظ على الجبال من ناحية ساحل أبين، حيث كانت هذه الناحية معرضة دائماً للهجمات من البر حتى بعد احتلال الإنكليز لعدن.
وللأسف نجد سلطان ناجي، في مقال له عن عدن نشر بمجلة الإكليل يقتدي بحمزة لقمان في القول بأن النفق الذي كان قديماً باباً لعدن هو الثلمة التي برأس العقبة، وهكذا دونما استناد إلى حجج أو قرائن تثبت زعمهما.
جبل الخضراء:
يقول بافقيه الشحري في تاريخه «13»: «وفيها (يعني سنة 954) يوم الثالث والعشرين من جمادى الأولى أخذ علي بن سليمان التولقي عدن من الأروام «يقصد الأتراك» وسبب أخذها أن الأروام طلعوا من زبيد وعدن إلى صنعاء مع الباشا أويس لأخذ صنعاء ولم تبق في عدن رتبة إلا قليلاً من الأروام ،وقتلهم لباشتهم في ذمار، كما سيأتي، فلما علم بذلك وصل إلى عدن يوم الثالث والعشرين شهر جمادى الأولى، ولم تدر الأروام إلا بالتكبير فيها والقتل فيهم».
وقال أن الأروام جهزوا جيشاً من صنعاء لاستعادة عدن من يد التولقي، وأن علي بن سليمان خرج للقائهم في الرعارع بلحج، فقتل برصاصة بندق وانهزم أصحابه إلى خنفر، «فقدم الأروام إلى عدن ثاني يوم من قتل علي بن سليمان، وفيها ولده محمد بن علي بن سليمان، وفيها غرابان «14» من الإفرنج وجماعة من المهرة فناوشوهم القتال ثلاثة أيام، وطلعوا من باشورة، وفيها رتبة من العبادلة بمواطأتهم، بين جبل المكريم والخضراء، فطلع منهم مائتان وخمسون رومياً فلاقاهم أهل البلاد فقتلوا من الأروام مائة وانهزموا إلى لحج».
وقال شنبل في تاريخه «15» أن البرتغاليين تحت قيادة البوكريك دخلوا إلى عدن عن طريق باب مكسور في سور عدن تحت جبل الخضراء:» وكان مدخلهم من عند باب مكسور تحت جبل الخضراء.
وسمي هذا الباب مكسور لأن السيل، إذا نزل المطر بعدن، كان ينحدر في السيلة، أي المسال، فيكسر باب السور هذا ويصب في البحر، ويسميه أبو مخرمة باب السيلة، قال إن الداعي الزريعي والي عدن أمر، من أجل منع تهريب البضائع من المراكب إلى المدينة، أن يمد حقات، فأدير سور ضعيف اهتدم بعضه لدوام الموج عليه فلما خرج أدير عليه سور من القصب، شبك، وبقي كذلك إلى أن دخل توران شاه إلى عدن واستناب بها عثمان الزنجبيلي التكريتي فأدار الزنجبيلي المذكور سوراً دائراً على جبل المنظر»16» إلى آخر جبل العر وركب فيه باب حقات، وأدار سوراً ثانياً على جبل الخضراء، وابتدأ به من حصن الخضراء إلى حصن التعكر على رؤوس الجبال، وأدار سوراً ثالثاً على الساحل ، من لحف جبل الخضراء إلى جبل حقات وركب فيه ستة أبواب: باب الصباغة أو باب حومة، وباب السيلة، وهما اللذان يخرج منهما السيل، إذا نزل الغيث بعدن، وهو المعروف اليوم بباب مكسور لأن السيل يكسره في كل دفعة.
وباب الفرضة ومنه تدخل البضائع وتخرج، وباب مشرق لا يزال مفتوحاً للدخول والخروج، وهو المعروف اليوم بباب الساحل «17».
وباب حبق لا يزال مغلقاً، وهو المعروف اليوم بباب السر، لا يفتح إلا عند مهم، وهو ينفذ إلى حوش باب الدار«18» وبنى الزنجبيلي المذكور أيضاً الفرضة، قبل دار السعادة «19» وجعل لها بابين: باب إلى الساحل، تدخل منه البضائع بعد أن تعشر، والباب السادس بلحف جبل النوبة.
وقد مر بنا قول ابن الديبع في «الفضل المزيد».. أن الأتراك في التجهيزة البحرية بقيادة سلمان نزلوا من سفنهم إلى ساحل أبين، تحت حصن الخضراء.
وقول عمارة الحكمي أن حصن الخضراء كان يسيطر على المرسى وباب البحر وما يدخل منه، وأن حصن التعكر يسيطر على باب البر وما يدخل منه.
وكما أخطأ حمزة لقمان وسلطان ناجي في الاعتقاد بأن باب البر هو الثلمة التي برأس العقبة وليس النفق، أخطأ كل منهما أيضاً في تحديد موقع جبل الخضراء، فحمزة يقول « انه المعروف الآن باسم جبل البنديرة» «20» وهذا الجبل، أعني جبل البنديرة هو كما نلاحظ في خريطة الكابتن هنتر أعلى جزء من سلسلة جبل شمسان أو شم شم، كما يسميه هنتر، وعند المتقدمين جبل العر، ويطل جبل البنديرة على وادي الخساف من المغرب.
أما سلطان فقد أخرج جبل الخضراء بعيداً عن منطقة كريتر، عدن القديمة، والجبال المحيطة بها، فزعم في مقاله المذكور أنه «رأس معاشق» دون إشارة إلى أي دليل يثبت صحة زعمه هذا.
وما كان هذا أو ذاك ليخطئ لو أنه احتمل أن يكون موقع الخضراء هنا أو هناك ونحن لم نطلق القول بخطئهما في ذلك جزافاً وإنما قلناه بعد أن رأينا المصادر المذكورة تعطيه موقعاً بعيداً كل البعد عن «معاشق» و«جبل البنديرة» فما ورد في تاريخ بافقيه الشحري، السالف ذكره عن خبر استيلاء علي بن سليمان التولقي على عدن عن طريق جبل الخضراء، ومحاولة الأتراك استعادتها عن طريق هذا الجبل أيضاً يتضح لنا أن جبل الخضراء كان دائماً هدفاً لهجمات الطامعين في عدن من ناحية البر، فهو إذن واحد من الجبال الفاصلة بين كريتر والبر، وهي الجبال الواقعة شمال شرقي كريتر.
ومدينة عدن القديمة لم تتعد، اطلاقاً، حدود فوهة البركان، كريتر، التي تحيط بها الجبال كالسور، وتماماً هذا السور كما قال صاحب تقويم البلدان سور البحر، الذي يفصلها عن خليج صيرة، هذه الجبال يستطيع القارئ أن يتعرف عليها من خلال وصف أبي محرمة لأسوار عدن، فجبل حقات ويسمى أيضاً جبل المنظر، وهو اسم الدار التي بنيت عليه، يفصل كريتر عن خليج حقات ويمتد من الطرف الجنوبي لجبل العر أو شمسان، من ناحية الغرب إلى جبل النوبة شرقاً، وهو يحيط بكريتر من الغرب والشمال، أما جبل النوبة فجبل صغير بطرف جبل حقات الشرقي، مجاور لجبل صيرة من الناحية الجنوبية الغربية، ويعتبر امتداداً لجبل حقات.
نأتي بعد ذلك إلى الجبال المحيطة بكريتر من ناحية الشرق والشمال الشرقي وهي أعلى من جبل حقات، وتفصل كريتر عن البر، وقد عرفنا منها جبل الخضراء المطل على خليج صيرة من الشمال وعلى ساحل أبين من الغرب، والذي كان يتعرض لهجمات الغزاة من البر، وكان على ذروته حصن الخضراء، ونفهم من قول أبي مخرمة أن الزنجبيلي شيد سوراً يمتد على رؤوس الجبال من حصن الخضراء إلى حصن التعكر، وأن جبل التعكر متصل بجبل الخضراء من الشمال وأن موقع حصن الخضراء الذي كان يسيطر كما عرفنا على المرسى والمراكب لابد أن يكون في مكان ما على قمة الجبل المطلة على خليج صيرة من الشمال الغربي، وأن السور يمتد فوق جبل الخضراء وجبل التعكر إلى حسن التعكر فوق باب البر.
يبقى السور الذي كان يسد الثغرة التي بين الجبال المحيطة بكريتر والواقعة بين جبل الخضراء شمالاً وجبل حقات جنوباً، وتصل كريتر بخليج صيرة، مرسى عدن القديم، وكانت مسدودة بسور يعتبر متمماً للسور الصخري المحيط بكريتر، ويمتد كما رأينا من الشمال إلى الجنوب من لحف جبل الخضراء، أي من أصله إلى جبل النوبة بطرف جبل حقات الشرقي، وكانت به ستة أبواب إثنان منها قريبان من لحف الجبل موقع مصب السيلة أو المسال، الذي لا يزال ماثلاً للعيان حتى اليوم يثبت أن الجبل القريب منه هو جبل الخضراء، المطل على خليج صيرة من الشمال وعلى ساحل أبين من الغرب، ومن المعلوم أنه لا يوجد منفذ للسيل، إذا نزل الغيث بعدن، من كريتر إلى البحر غير من ناحية خليج صيرة، ولا نعلم أن هناك سيلة ينحدر فيها السيل من كريتر إلى جوار رأس معاشق فجبل حقات يحيط بكريتر من ناحية الجنوب وليس فيه منفذ للسيل منها، ثم أن رأس معاشق لا يقع بين ساحل أبين وكريتر، وإنما هو رأس بارز، بين خليج حقات وخليج الصيادين، وهو أقرب رأس من شبه جزيرة عدن، بل من شبه جزيرة العرب كلها إلى ساحل بربرة في أفريقية.
وبعد فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، والإنسان غير معصوم من الزلل، خاصة في أحكامه واعتقاداته، القائمة على الحدس والتخمين، لا على الحجج والبراهين المستمدة من الواقع ومصادر التاريخ الموثوق بها.
المصادر و الهوامش:
1 المقدسي: «أبو عبدالله» أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ص85 «ليدن».
2 أبو الفداء ، تقويم البلدان ص93 «باريس»
3 القلقشندي» أحمد» صبح الأعشى ،ج 5/ص11 .
4 محمد بن عبدالمجيد ، قلائد الجمان، ص90 «عن كتاب (البرتغاليون حول سواحل بلاد العرب الجنوبية) للمستشرق الإنجليزي المعروف أر.بي صارجنت، ص«170»
5 الكابتن أف. ام .هنتر تقرير عن عدن المستعمرة البريطانية في بلاد العرب. ص 8.
6 مجهول ، تاريخ الدولة الرسولية في اليمن، ص147 «تحقيق عبدالله محمد الحبشي».
7 الهمداني، صفة جزيرة العرب، ص94 «تحقيق محمد بن علي الأكوع.
8 حمزة لقمان ، تاريخ عدن وجنوب الجزيرة العربية، ص303305 .
9 هي الملكة أروى .
10 عمارة «نجم الدين» تاريخ اليمن، ص81»تحقيق الدكتور حسن سليمان».
11 يقول الكابتن هنتر في تقريره المذكور، ص13، إن الكابتن بلاينير في كتابه «تاريخ اليمن» يسميها «بير حامد» أ ه وهو كما يبدو تصحيف «عماد» وبير محيط معروفة عند البحارة العرب، وهي في خرائطهم البحرية على عرض 12درجة، 51دقيقة، وطول45 درجة، 6دقائق ويأتي بعدها عندهم بندر عدن، وقد بقيت انقاض قناطر هذه القناة إلى عهد قريب جداً.
12 ابن الديبع «عبدالرحمن» الفضل المزيد على بغية المستفيد،ص 365»تحقيق شلحد»
13 بافقيه الشحري، تاريخ الشحري « مخطوط توجد منه نسخ بمكتبة الأحقاف بتريم».
14 الغراب: نوع من السفن الحربية.
15 شنبل«أحمد بن عبدالله» تاريخ شنبل «مخطوط توجد منه نسخة بالمكتبة الشعبية بالمكلا».
16 المنظر: دار بناها بنو زريع على جبل حقات وجدد بناءها الملك اسماعيل بن طغتكين الأيوبي «عن تاريخ ثغر عدن لأبي مخرمة، ص12»
17 باب الساحل: كان مفتوحاً دائماً للخروج من عدن إلى ساحل صيرة وجبل صيرة والعكس.
18 باب الدار: يقصد دار السعادة الآتي ذكره.
19 دار السعادة: بناها سيف الإسلام طغتكين بن أيوب مقابل الفرضة من جهة جبل حقات «تاريخ ثغر عدن، ص10»
20 حمزة, تاريخ عدن, ص254.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.