قرارٌ أتى متأخراً للسفر إلى صنعاء, حينها لم يساورني هاجس الشعر, ولا الكتابة، كأن شيئاً أعلى وأسمى من ذلك، توحدت فيه كل فصائلي المتناحرة وأخذت جلّ تفكيري في الطريق وهي كيف ومتى..؟ كيف ومتى سألتقي بالأحرف السامية في مضامين اللغة العربية والقصيدة العتيقة، التي تتنفسها شرايين وأوردة صنعاء ودفتر الوطن الشاعر والدكتورعبدالعزيز المقالح.. كل هذا الشوق لمعانقة صنعاء استقرت كل قواها الوجدانية فيه، وفي قصائده التي لم يبخل أبداً عليها فهو الذي أهداها ديواناً كاملاً حمل أسم ( كتاب صنعاء ).. ليحكي بداخله الطفولة الناعمة لصنعاء، ومفاتنها الآسرة لزوارها كتاب صنعاء، الذي كلما مررت على ركن مكتبي، وجدته متأهباً لنفحة أخرى من الجمال المقدس، والذي احتوى بداخله على ست وخمسين قصيدة تضمخت بالحب ليقول لصنعاء في القصيدة الرابعة: (هي عاصمة الروح مغمورة بالضحى والتعاويذ تومض أشجار ذاكرتي حين أدخلها وأراها بأطمارها تتوهج عارية تحت جمرِ الظهيرة ) مع تذكري لهذه الكلمات اقتربت صنعاء مني مع هطول الليل على جسدها المعرى بالقمر، وبدت لي مفاتنها المفعمة بروح الشباب، والتي ارتسمت في بهوة الحدائق وشجون الأرصفة لامست أول قطرات هواء صنعاء، وهي تحمل في كفيها ابتسامة وديعة استقبلتني بها, وأخذت بيدي لنذهب سوية إلى روح صنعاء وقلادة العشق الملتوية حول نظارة المقالح.. كان اللقاء الأول صافحته بموجة امتنان أبدي.. ودون أن أشعر ارتسمت بكفي قصيدتين للمقالح بمجرد مصافحته, طاف حولنا الحديث ورسمناه بأعيُننا وأبحرت قرب شواطئه الذكرى وملأت دلو الذات بأدبياته.. تاريخ أدبي يمني أمامي تنحني الفصحى لأخلاقه ويختزل الأدب الحديث بين تجاعيد وجه.. وتوغلت في الحضارة الأدبية والثقافية المنسدلة أمامي ليتلصص علينا الوقت ويقنعني وصنعاء بقدوم الرحيل لأستسلم له لكن ذلك لم يمنع الدكتور المقالح أن يهديني كتابين من دواوينه الشعرية، وفوقهما إهداء للغالية كانت بمثابة قصيدة أخرى تضاف للديوان, عدت وأنا أحمل كتابين للمقالح، كأنهما بتوقيعه بعثت فيّ الروح من جديد وعلى أقل تقدير فيهما أسطر جديدة عن غير ما احتوى عليهما الكتابان..