مذ خروجي من بيضة الحلم، وأنا مكشوف على الجهات كلها خالٍ من ثرثرة الشجر من حليب العصافير واثقٌ من براءة اللحظة من توحّشها أطلُّ من على شرفة النسيان بحمضٍ جديدٍ.. متباهياً بموتي المتأخر كلَّ ليلة. ...... مؤخراً عثرتُ عليَّ جثةً ملقاةً في الشارع الخلفيّ المطلِّ على كازينو. تنبأتُ بتطوري زهرةً في إحدى يومياتِ بودلير تغلغلتُ في ذكريات فتاةً جزائرية فتحتُ معها غدها للغزاة. دون سابق تخطيطٍ تزوجتُ بي أنجبتُ منّي عالماً مكتظاً بصور الضحايا، ضحايا الضحايا أيضاً. ..... لم أزلْ داخل ليل الحواس مملوءاً بأنفاس سحره أفتّشُ عن عشبةٍ أخيرةٍ للمعنى. تحت ظلّ ضحكةٍ أشعلها لي الأصدقاء ألهثُ. إخلاصاً لكلِّ لحظةٍ أمضيتها مع الحزن أحرسُ رفات أغنية. ...... متشككٌ من وجودي ضمن قائمة الأحياء الليلة على استعدادٍ لمقايضتي بأيّ شيء ولو بمراهقة متأخرةٍ لجرح! ...... أنا الأقدام المقشّرة من ملوحة البحر، النطف الكسلى، الرحم المليء بالفوضى. من هنا،من جوار منزلي الملفوف بخيوط الموتى ، مرّ بحارةٌ قدامى استعاروا منّي بعضَ النبيذ والكتب المحرّمة . ...... عند التحدث لي عليّ أن أصمت أصمتُ أكثر تكلمْ أيّها الصمت يا احتمالي المؤجل يا كلامي الكثير المتخم بأصابع الندم، وأعين الفلاسفة تكلمْ عن ألم الوردة عن الأمهات اللواتي يهدين أطفالهن شروخاً من الحكمة، رملاً من الذكريات القديمة، عن الأحرف المصابة بالسّل الرئوي، عن سطح الجريمة المعدّ كمتنزّه، عن بكاء العاشقات يفتك بأحلامهن العطش. عن قبلات الصيف الناعمة. أيّها الصمت..! يا نهاري الموزّع بين أعشاش الجزع، يا يدي البيضاء المنسيّة، يا فخاخ التذكّر، يا آخر ما تبقّى من رماد أغنية الغريب، يا غدي المزرق، يا أنا!! تحدث عنّي: طفولتي المنهارة أمام أسوار العقل، تعلُّقي المبكّر بعالم الموتى، إخفاقي في تجميع وجهي من أكفِّ الجهات، تفسُّخي بين دفاتر النسيان، تحت شمس الجدارات العتيقة على العتبات المصقولة بالمراثي والدموع. وابكِ ، ابكِ كثيراً عليّ. ...... منْ جمعوني غباراً من كتب المغنيين منْ توّجوني بكلّ هذا الألم ملكاً لكلّ هذا الخواء وسط كلّ هذه الفوضى. نفايةً جديدةً تهوي من أعلى كومة التاريخ. منْ عرّفوني بشجرة الأسلاف أسلاكاً شائكةً تحرس أحلام الموتى. منْ خلّفوني هناك قرداً أنيقاً يكتبُ قصيدةً نثريةً عن نهاية العالم. منْ عجنوني بلعاب البحر منتفخاً بخميرة الأمس كاملَ التكوين بجهازٍ تنفسيٍّ يعجزُ عن إنتاج اللغة. ... شكراً ، شكراً لكلِّ هؤلاء قلْ، يا أيُّها الصمت، قلها بالنيابة عنّي!