لماذا غدا الكثير من الناس يتهافتون لطرق أبواب عيادات الطب البديل والتداوي بالأعشاب وهل هذا التهافت دليل تردي الطب الحديث في اليمن؟.. وهل صحيح أن مكاتب الصحة قد لعبت دوراً كبيراً في عملية انتشار عيادات الطب البديل؟ أسئلة حائرة ربما قد نلقى لها إجابات مقنعة في سياق هذا الاستطلاع.. ظلم فادح البداية كانت مع الدكتور يحيى درهم الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة مستشفى الثورة العام بتعز: هناك ظلم فادح يرتكب في حق الكوادر الوطنية وفي مختلف التخصصات، بما فيها الكوادر العاملة في مجال الطب البشري.. وحيثما تتوفر البيئة السلمية للعمل فإن الناتج هو الإبداع والاجتهاد في العمل.. فمعظم كوادرنا اليمنية والمتواجدة في أمريكا وألمانيا وفرنسا والدانمارك وغيرها من الدول توفرت لها هذه البيئة حتى وصلت إلى مستوى تحمل مسئولية إدارة وقيادة مختلف المؤسسات الطبية والاقتصادية والعلمية وأما إذا لم تتم تهيئة البيئة السليمة وظلت نكدة.. وممتزجة بالمناكفات والإعاقات فلن تجد مثل المستوى المتميز أبداً وبالتالي أصبح الناس يصبون جام غضبهم على الكوادر الوطنية، وكأن أمر الإصلاح بأيدينا نحن فقط .. وما نحن إلا جنود مجهولون، فمتى توفرت لنا إمكانيات العمل اللازمة لتطويره حينها سوف يرى الجميع ماذا سوف نقدم من أعمال طيبة نرضى عنها ويرضى عنها الآخرون.. ولكن لا تطلب مني أن أكون مبدعاً وفي الوقت الذي يعاني من الإهمال وعدم توفر الإمكانيات اللازمة للعمل والتشغيل. تأكيد على التضحية ويؤكد الدكتور يحيى درهم أن المواطن اليمني وبغض النظر عن وجوده في أي مستوى مهني سوف تجده حينها أكثر تضحية من أجل بلده.. فغالبيتنا الساحقة رفضت الهجرة وترك الوطن ورفض الإغراءات من الخارج ومن أقرب الدول المجاورة لنا وفضّل العيش في النكد لعل وعسى أن تتاج له الفرصة في يوم من الأيام أن يقدم واجبه الإنساني والنبيل.. تخلّف ثقافي من جانبه يرى الدكتور عبدالقادر الفاتش «استشاري جراحة قلب وأوعية دموية وأستاذ في كلية الطب بجامعة تعز».. أن المشكلة تكمن في التطور المجتمعي في اليمن فهناك تخلف ملحوظ في المستوى الثقافي والاجتماعي والعلمي ونحن للأسف لم نشهد أي نوع من التطور خلال العشر السنوات الماضية خاصة في المجال الطبي والعلمي.. كما أن الأمراض المعروفة للمعالج الناجح تقدر نسبتها ب “30%” أما بقية الأمراض فهي عبارة عن انعكاس للأمراض الاجتماعية.. وتجد أن نسبة الأمراض النفسية في المجتمع اليمني تصل نسبتها إلى “80-70”% وقد تكون أكثر من ذلك.. فالفقر الموجود في اليمن جعل المواطن يبتعد عن الطبيب ومن أجل المعالجة مكلفة من حيث العلاج ولهذا السبب يلجأ المريض إلى العلاج عن طريق الشعوذة. خدمات متفانية ويرى الدكتور الفاتش: إنه لا يمكن الخروج من محيط هذه المشكلة إلا عندما نأخذ على عاتقنا والمقصود هنا الدولة والمواطن والكادر المثقف والوطن.. مسألة تقديم خدمات وطنية ومتفانية والاستعداد للتضحية من أجل تحقيق قفزة نوعية ملموسة في المجالات العلمية والثقافية والاجتماعية وعندئذٍ يمكن أن نرى انحساراً واضحاً لظاهرة الشعوذة وما يسمى بالطب البديل والذي لم يحقق أية قفزة في مجال معالجة الناس من الأمراض المنتشرة في المجتمع اليمني. أمية المجتمع ويشارك الدكتور مصطفى عبدالجبار رئيس أقسام الجراحة بمستشفى الثورة في تعز بالقول:يعتبر المجتمع اليمني مجتمعاً أمياً ومعظم أفراده غير متعلمين ولهذا السبب تجد أن الغالبية من الناس لا يدركون حقيقة أن هناك أمراضاً مستعصية ولا فائدة، يريد أن تعطيه الأمل بالشفاء.. ومادامت أبواب عيادات المشعوذين مفتوحة ولم تجد من يقم على إغلاقها والحد من انتشارها ومادامت الجهات الحكومية المسئولة على توعية وتثقيف أفراد المجتمع بمخاطر مثل هذه الظواهر الخطيرة مقصرة تماماً في مجال عملها فإنه من الصعب عليك إقناع الناس بعدم الذهاب إلى عيادات ما يسمى بالطب البديل من أجل المعاينة، والغريب أني كم أسمع ً أن أحد المرضى قد قام برفع شكوى ضد مشعوذي عيادات الطب البديل وفي المقابل تجد هناك من يقوم برفع شكاوى ضد الأطباء الاختصاصيين في مجال الطب البشري وحسب علمي أن القضاء والنيابة لم يستلما أية شكوى ضد مشعوذ ويعود السبب إلى أن الناس الذين يذهبون إلى المشعوذين من أجل المعالجة تكون نفسيتهم متقبلة أية مضاعفات قد تحدث لهم ولكنهم عندما يأتون إلى الطب التخصصي وبعد المعالجة تحدث لهم مضاعفات فإنهم يتخذونها حجة على ذلك، ومن هنا أستطيع القول: إن هذه الظاهرة مرتبطة بوعي الناس وثقافة المجتمع.. أبرياء وفي مكتب الصحة بتعز التقينا أولاً الدكتور محمد علي المخلافي مدير إدارة المنشآت الخاصة والذي من جانبه نفى ما يقال: إن المكتب لعب دوراً في انتشار ظاهرة عيادات الطب البديل وأن الإدارة لم تقم أبداً بمنح أي ترخيص لمن يريد مزاولة هذه المهنة.. خاصة وأن القانون لم يحدد نصاً يجيز من خلاله منح تراخيص لمزاولة مثل هذه المهن والتي انتشرت نتيجة لعادة سلوكية، تتم ممارستها منذ وقت طويل والتي ازداد توسعها وانتشارها بدرجة أساسية إلى تلك الدعايات الإعلانية لممارسة هذه المهنة وكذا لعدم وجود ثقافة صحية وقوانين وضوابط رادعة وإن ما جاء في القانون يتعلق بالأخطاء الطبية.. استغراب! ويستغرب الدكتور. محمد المخلافي من أنه لم تصل إلى المكتب أية شكوى ضد أصحاب عيادات الطب البديل والتداوي بالأعشاب وإن ما نستقبله من شكاوى هو ضد الأخطاء الطبية التي تحدث في المنشآت الطبية الخاصة والحكومية وعلى الرغم من أن التداوي بالأعشاب يشكل خطورة كبيرة على حياة من يتناولها وذلك في حالة إذا لم يكن إخصائي طب الأعشاب ذا معرفة وخبرة كافية في مجال إعداد أدوية من الأعشاب والتي تحتاج إلى فحص عميق ودقيق وتحديد جرعاتها بدقة متناهية ذلك لأن البعض من هذه الأعشاب قد تكون سامة وهذا بالفعل ما يتم اتخاذه في معظم الدول الأجنبية وبعض من الدول العربية والتي تقوم أولاً بتجربة الأعشاب على الحيوانات حتى يتأكدوا من مدى تأثيراتها عليها وبعد ذلك تتم تجربتها على الإنسان للتأكد من مدى فاعليتها في شفاء المريض وإن ما يزيد من استغرابي هو أن أصحاب مهنة الطب البديل يدعون بأنهم قادرون على معالجة الأمراض المستعصية، كالفشل الكلوي ومن المعروف علمياً وعالمياً بأن هذا المرض من المستحيل الشفاء منه ولا علاج له سوى استبدال كلية جديدة.. وعليه فإني أرى أن الحد من هذه الظاهرة لن يكون إلا عن طريق قيام الدولة بحملات توعية وتثقيف في المدارس والمساجد وبث برامج توعوية على قنوات التلفزة والإذاعة ونشر مقالات تثقيفية في مختلف الصحف الرسمية وغير الرسمية، والعمل على تشكيل لجان أمنية تقوم بضبط كل من يمارس هذه المهنة وإحالتهم إلى القضاء حتى إذا لم يوجد قانون يقوم بمحاسبة أصحاب هذه المهن..