المدنية والتمدن.. كلمات ساحرة ولذيذة, تجعلك تستحضر مدينة أفلاطون المثالية مجتمعاً رائعاً منسجماً ومتكاملاً, مسالماً وحالماً.. يعيش الجميع كما ينبغي ويحصل الجميع على حقوقهم كاملة.. عدالة ومساواة وحرية وسيادة للقانون واحترام للكرامة الإنسانية. وفي المجتمعات المدنية نتخيل الشوارع النظيفة والمنازل الجميلة والمساحات الخضراء والمرافق المتكاملة والمخلوقات المتحضرة والسلوكيات اللطيفة والعلاقات الصادقة والسلام الدائم والمحبة. كأنما التمدن قادر على تحويل الناس من بشر إلى ملائكة, فتتحول الأرض إلى جنة حقيقية, وربما كل ذلك بكبسة زر!! تقول إحدى الصديقات حتى الكلاب في الدول المتمدنة مسالمة وغير عدوانية , إن الناس يمرون بجانبها.. يلاطفونها و يداعبونها لذا هي أدركت أنها جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع, فتعاملت على هذا الأساس, فيما يقذفها الأطفال في بلداننا المتخلفة بالحجارة بسبب أو بدون سبب لذا تظل مستفزه فتعوي في وجه الجميع.. لقد أدركت أنها منبوذة. حتى الإنسان يدرك في مجتمعاتنا أنه منبوذ فيصبح عدوانياً شرساً, يحارب الجميع دون مبررات ويحقد على الجميع, والمصيبة أن المجتمع بأكمله يشعر بالقهر فيمارسه على بعضه البعض فيزيدنا التخلف النفسي عذاباً على عذابنا. غير أن المدنية والتمدن هي نتاج نضالات طويلة, يدرك فيها الجميع ضرورة أن يحترم بعضنا بعضاً ونتعلم معا بصورة مستمرة كيف نتقبل الآخر المختلف وكيف نحترم اختلافه عنا وندافع عن حقه في التعبير عن نفسه كما ندافع عن حقنا تماماً.. حينها سندرك حق الطبيعة في الجمال وحق الأرض في النظافة والاخضرار وحق أطفالنا في اللعب وحق عائلاتنا في امتلاك بيوت جميلة, وحق آذاننا في الهدوء وحق قلوبنا في التسامح والمحبة. إن الحضارة والمدنية ترتكز على الإنسان وكلما غرق في العنف والعنصرية والعبودية بكافة أشكالها كلما ابتعد عن التمدن والحضارة, فالحضارة سلوك تصبغ المدنية بروحها الحقيقية لتتكامل الصورة ويبدو مجتمع البشر أكثر إنسانية وأعمق معنى.