كنتُ أظن أن التسجيلات الرديئة للأغاني حكر على الفنان اليمني .. كتسجيلات أغاني الفنان أحمد قاسم للتلفزيون.. وهي الأغاني التي سجّلها للتلفزيون أثناء حوارات فنية كانت تُجرى معه في هذه القناة التلفزيونية أو تلك، هذه الأغاني بتسجيلها الرديء, وطريقة غناء الفنان أحمد قاسم لها صارت هي التي تُبث بعد ذلك باستمرار, وعلى ذلك صارت هذه الأغاني إساءة لأحمد قاسم أكثر مما هي توثيق, لأن توثيق هذا النوع من التسجيلات وجعله مرجعاً يمثّل الفنان لا يخدمه كثيراً لأنه يُظهر الجانب السيئ للفنان. معنى ذلك أن كل من يريد أن يتعرّف على أحمد قاسم من غير هذا البلد (اليمن) لابد أن يعود إلى هذه الأغاني التي لم يبذل فيها أحمد قاسم جهداً, فقدّمها بشكل مستعجل وعزف يصكّ الآذان بطريقة أحمد قاسم تلك.. أداء هذه الأغاني أيضاً لم يكن بنفس الإحساس الذي نعرفه عن أحمد قاسم.. فلولا تسجيلاته الإذاعية القديمة الموجودة في إذاعة عدن – على سبيل المثال – والتي تُمثّل الجانب الإبداعي والمشرق لأحمد قاسم لما بقي لأحمد قاسم إلا هذه التسجيلات الرديئة والعشوائية التي تفتقد أدنى مقومات الإتقان والإجادة. إلى هنا يكون استغرابنا – إلى حدٍ ما – في محله.. فنحن في بلد بعيد عن التوثيق بكل أنواعه.. ولا يُفرّق في ذلك بين موسيقار كبير وفنان مبتدئ، وهذا الحال تجده في القصة وفي المسرحية وفي الشعر والأدب وكل ضروب المعرفة.. لكن الذي أستغربه أن يحدث ذلك في بلد كمصر هو بوابة الفنون والمعارف إلى كل أقطار الوطن العربي.. فمثلاً أحاول أن أضيف إلى مكتبتي الإلكترونية كل أغاني الزمن الجميل في الوطن العربي وقد قطعتُ شوطاً في ذلك.. فمثلاً عندما توقفت عند الموسيقار الكبير رياض السنباطي أصابني ما يُشبه الملل عندما وجدتُ أجمل أغانيه بتسجيل رديء, وكنت أغض الطرف عن هذه الأغاني - وأنا كلِفٌ بها – لكن لا حاجة لي بها وهي بهذا القدر من رداءة التسجيل.. وينطبق ذلك على الموسيقار محمد عبد الوهاب.. فكيف يحدث ذلك وهؤلاء يقفون على قمة الغناء العربي الأصيل, وينتمون إلى بلد هو رائد من روّاد الفن والثقافة والفكر, وهو البلد الذي يصدّر كل ذلك إلى بقية البلدان العربية؟. هذه التسجيلات – أيها الأعزاء- في أي بلد كان تظلم الفنان كثيراً .. خاصة إذا كانت هذه الأغاني مرجعاً للباحث والمتذوّق للطرب الشرقي الأصيل.. الأمثلة التي ضربتها في هذا الشأن كافية؛ لأنها تنطبق على كثيرين ومن بلدان عربية مختلفة.. فهذا النوع من التسجيلات يقتل الأغنية ومغنّيها, فهل نوظّف كل ما هو مُتاح من معطيات التكنولوجيا الحديثة لتوثيق نظيف يضمن بقاء الأغنية زمناً طويلاً ويحفظها من الاندثار والتلف؟!. ملاحظة: بالطبع لا يعني ذلك أن كل التسجيلات رديئة.. هناك بعض التسجيلات فقط هي الرديئة, أما ما عدا ذلك فهي تسجيلات نقية وهادئة رغم مرور عقود من الزمن على تسجيلها.. أقول ذلك لكي لا نظلم التوثيق الذي حفظ لنا هذه الكنوز الذهبية على مدى سنوات طوال.