محمدُ البكري الإنسانُ.. عطاءٌ دونَ حسابٍ؛ عطاءٌ مجاني؛ لا ينتظرُ اعترافاً بالجميلِ؛ ولا يترقبُ نكراناً أو مقابلاً لما يقدِّمهُ.. ومحمَّد البكري الشاعرُ.. شاعرٌ يبحث عن المختلفِ؛ ويلتفتُ إلى الغامض؛ يغامرُ ابتغاءَ النظرِ في الغائرِ والمجهولِ؛ ذو البنيةِ الشبحيةِ الغامضةِ؛ كاشف عن لعبةِ الصمتِ والنسيان. وقصائدُهُ؛ ترسم كلَّ ما لا يُرى من كلِّ شيءٍ؛ تتجِهُ نحوَ اللامسمَّى نحو المحايدِ؛ قصائدُ محكمةٌ؛ محلِّقةٌ بخيالٍ نادر؛ تلعبُ مع اللامرئي؛ وترقصُ مع الملائكةِ والأشباحِ؛ استدعاءً للمخبوء؛ واستحضارا للفاني؛ قصائدُ تنمازُ بسريانٍ مجازيٍّ مُدهشٍ؛ وفيضٍ بلاغي محيِّرٍ؛ قصائد متفردةُ الصياغةِ؛ يُغلِّفها العديدُ من مظاهرِ الحريةِ ولاختزال.. يقولُ الشاعرُ:- لم يتنبه أحدٌ لموتك في الحياة تركوك في المعنى وحيداً وانثنوا يتقاسمون الذكريات!” ويقولُ كذلك :- لم أكترث.!!!! لا شيء بعدكِ يستحق الانتبااااااااااه فوضى تخطط لي اتجاه مشاعري وتقودني أعمى إلى كل اتجاه في الدمع ما يكفي لتثمل عزلتي في الصمت رائحة تدل على المتاهْ تتصدع الآهات في صدري أسىً والشوق يترك خطوتي قيد اشتباه ويقال: كل الحب هذا طبعه من قال هذا...؟! آآآآآآآآآآآآهِ مما قال آآآآآآآآآآآه أرجوكِ لا تتواطئي ضد الهوى لا تشعلي النيران في عرش الإله. وكأنَّ البكري يؤكدُ من خلالِ قصائدِهِ؛ على أهميةِ الكينونةِ الخفيةِ من الذاتِ؛ بوصفها كينونةٌ جوهريةٌ تتواصل فيها الذاتُ مع العالم على نحو من التناغمِ الحيوي الحر؛ تُمحى فيهِ كلُّ الحدودِ الفاصلةِ بين الأضدادِ والتناقضاتِ؛ بين الحياةِ والموتِ؛ والواقعي والخيالي؛ والماضي والمستقبلِ. يقول الشاعرُ البكري:- اتركيني وحيداً أداعب صمتي وأحكي له عن مدى لا يموت وعن مدنٍ لا تموت من البرد عن أفقٍ لا يموت اكتئاباً وعن وترٍ في مخيلة الغيب حيث الصدى يترنح شجوا وحيث الرؤى لا ترى العطر في الوردة الذابلة عبثٌ يشبه الحب يحشو الهواءَ ببعض التأملِ يااااالهذا الشرود الإضافي!!! اصغي لصمتك لا توقظي حجر النرد من حظه ريثما يأخذ الحلم أنفاسه... ،،،،، يا لقلبي هنا كم يظل وحيداً يفكر في آهةٍ تتسلق ساقيك من دون أن تقلب الطاولة! وشاعرنا البكري قادرٌ على استشراف الوحدةِ الجوهريةِ للوجودِ ؛ وأقتناصِ أسرارها الخفيةِ في صلةِ الذاتِ بالعالم ؛ حينَ تأتي قصائدَهُ محتشدةً للقوى الروحيةِ حدَّ بلوغِ النقطةِ العليا في الروحِ. يقولُ الشاعرُ :- هنالك طرقٌ خفيفٌ على البال طرقٌ خفيفٌ على الباب هنالك من يطرقُ الذاكرة هنالك من يطرقُ القلبَ سراً ويدخل من سلمِ الآه ليلاً كما يدخلُ الحزن من شرفةِ النكتةِ الساخرةِ . هذا التواشجُ الغرائبي بينَ الممكنِ واللا ممكنِ؛ هو المستحيلُ ذاتُهُ؛ وهو ما يطبعُ أسلوبَ الشاعرِ البكري دهشةً وحيرةً في آن .