أثارت قضية زواج الصغيرات زوبعة كبيرة على المستوى المحلي واحتدم الجدل بين من يدعو إلى تحديد سن الزواج وفق قانون تم عرضه على البرلمان في وقت سابق وحتى الآن ما زال حبيس الأدراج، ومن يعارض فكرة القانون من منطلق عقدي، حتى وصل الجدل ذروته وتم إقحام الدين في القضية رغم أن المسألة لا تحتاج إلى ذلك الكم الهائل من الفتاوى بقدر ما لها من علاقة كبيرة بمصلحة الأسرة والمجتمع. ومن خلال متابعتي لما نشرته وسائل الإعلام وما كتبه المؤيدون والمعارضون، رغم كل المبررات التي استند عليها الطرفان في جدالهم،فإنها لم تخرج عن بوتقة الحلال والحرام وزواج النبي وما قاله رجال الفقه والحديث، غير أن المعارضين لفكرة تحديد سن الزواج تطرفوا إلى حد ما فكانت عبارات التخوين محشورة في كل كتاباتهم بهدى وبغير هدى، واتهموا مناوئيهم بالعمالة والرضوخ لمنظمات ودوائر غربية تعمل على تنفيذ أجندتها في أوساط المجتمع اليمني المسلم تحت مبرر حقوق الإنسان، وكأن الغرب الكافر بحسب وصفهم مهتم بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة للمجتمع اليمني حتى مسألة زواجهم، ويتناسى هؤلاء عن كبر ما خلفه زواج الصغيرات من مآسٍ وآثار كارثية، والجميع يدرك ذلك ولم يعد خافياً على أحد انعكاساته السلبية على الأسرة والمجتمع. نحن نؤمن أن المشكلة بحاجة إلى معالجة مجتمعية تتضافر فيها جهود المفكرين والحقوقيين والبرلمانيين ومنظمات المجتمع المدني المهتمة، لكن وفق معايير المصلحة العامة لا أن تظل القضية في حالة تصعيد دائم ومستمر وعليهم أن يضعوا خلافات الفقهاء ورجال الدين جانباً كونها تسير في منحدر كبير لانهاية له، ويتركوا للمختصين في الطب وعلم النفس والاجتماع والقانون مهمة الحسم وبدورهم سيقفون على الأسباب التي تدفع الأسرة لإقحام طفلة صغيرة في معترك حياة لا قبل لها بها، ومن ثم سيضعون الحلول المناسبة للقضاء على هذه الظاهرة بعيداً عن الصراعات الفكرية والجدالات الفقهية ومزالق التخوين. ومع تقديري لكل الآراء التي ضاقت بها صفحات الصحف بغثها وسمينها، أتمنى أن أرى نهاية إيجابية لمسلسل زواج الصغيرات ،حتى يتفرغ الجميع للمشكلات الأكثر حاجة للنقاش والمعالجة.