يعد الظلام والضياء أساس دورة الحياة والطبيعة، فإذا كان البياض والسواد هما أساس اللعبة اللونية فذلك لأنهما يجسدان النور والظلام، وحركتهما في الطبيعة المتمثلة في تعاقب الليل والنهار، فالليل والنهار يشكلان بدورهما الزمن باعتبار أنهما يقتسمان رقعة اليوم الذي على أساسه يتم حساب الأسبوع فالشهر فالعام.... وهذا التعاقب يمكن تسميته بالدورة الكونية فحضور الليل يعني غياب النهار، وحضور النهار يعني غياب الليل، وهكذا فإن كلاً منهما يعد نقيضا للآخر وعلى هذا الأساس تقوم العلاقة بينهما فهما نقيضان في الحضور والغياب، في اللون، في الشكل والهيئة، في الجوهر والماهية، وبالتالي في الدلالة السيميائية، فقد تكوَّنَ لكلٍّ منهما هالته الخاصة به في الميثولوجيا الإنسانية. وفي هذا الديوان موضوع القراءة ينتشر كلٌّ من الظلام والضياء، ويفرضان حضوراً قوياً كرمزين شعريين تخليا عن مدلولاتهما المعجمية وتلبسا بثياب دلالية رمزية بعد أن تعرضا لفاعلية التخييل الشعرية التي فجرت من طاقاتهما الكامنة لتستطيع السمو بوظيفة اللغة إلى أعلى مستويات التعبير عن المحجوب والمغمور في قرارة الشعور الإنساني بطريقةٍ غير مألوفة ترتفع عن فجاجة النثرية والتقريرية، بل وتنطلق من إيماني بعجز اللغة العادية النثرية عن التعبير عن الكامن والمستور، فضلاً عن الاستهلاك الذي أصابها فأضعف من قدرتها التعبيرية وطوقها بالسطحية والابتذال، ولعل ما يميز اللغة الشعرية هو أن المفردة داخل النص الشعري تكتسب أبعاداً جديدة ومعانٍٍ إضافية غير تلك التي تشير إليها مدلولاتها المعجمية أو أصلها اللغوي. و«يظل الظلام والضياء من لوازم الطبيعة النفسية، لأن للنفس عالمها المزيج بين الظلام والضياء. ومن هذا التأليف بين النقيضين يترعرع الحس الشعري والعالم المليء بصراع النقائض. فأنا لا أرى ظلاماً ولا ضياءً، وإنما أتصور - تحت تأثير الحالات- هذا الضوء وهذا الظلام” د.جميل حمداوي، السيميوطيقا والعنونة، مجلة عالم الفكر، المجلد الخامس والعشرين، الكويت 1997، ص 79. مزيداً من التفاصيل