للشعر مقاسات وضروب وقدرات إبداعية فهو كائن روحي يتسق عنده هاجس الفكر بغمرات العاطفة ويضاف إليهما نموذجية الرؤية التي تختلف من شاعر إلى آخر ..لأن الشاعر يتمثل إناء تنضح فيه مزيج العاطفي النفسي بالروحي الفكري حيث لا تنساب سوى الرؤية المكنونة لالتقاط الصورة بمقدار الماهية التي يعرف فيها الشعر سواء على مستوى اللغة أو استيعاب السياق المعنوي الذي يأتي متقمصاً الفكرة كروح نفخها للتو الشاعر .. وتكون القصيدة .. ذلك ماحضرني خلال قراءتي الأولى لمجموعة الشاعر أحمد العرامي الصادرة حديثاً عن مكتبة البردوني بذمار حيث أحسست فعلاً أن القصيدة لا تأتي كيفما أتفق وللأسف هي سارت هكذا لدى الكثير من شعراء اليوم وخاصة الشباب فالتوصيفات بين الجديد والقديم وشكل النمط الشعري لا تنتصر إلا بكاتبها فهي تختار نمطها في ذات الشاعر لا يختارها هو وكل ذلك لأنها تتكون في قعر الذات الشاعرة كالجنين الذي قبل أن يخرج إلى الضوء لا نعرف جنسه وعند الولوج نختار له الاسم حسب الجنس وذلك مايحدث مع شاعر من عيار أحمد العرامي الذي تدور تجربته في أفلاك النمط النصي ولا تدور الأنماط الشعرية في ذاته وفي مجموعته البكر قد نجد ذلك. إن شخصية العرامي كأديب تفترض احتمالين الأول لمن يعرفه يرتأى في خصائص الأجناس الكتابية لديه منفصلاً في شعريته عن نثرياته ورؤاه النقدية ولكل نوع شخصية مختلفة . والاحتمال الثاني لمن لا يعرفه فينجذب إلى العرامي شاعراً فقط أو ناثراً وهو موضوع اختلافي مع قراء أعرفهم ولا يعرفهم العرامي و أما ناقداً فهذه حكاية تتداخل وتتشابك فيها التباينات . وبالعودة إلى المدلول النفسي لعنوان مجموعته (ليس يحضرني الآن ) ففي فلسفة العنونة مايدل على المضامين العامة لتوجهه الأدبي بصفة عامة ويكفي قراءة مفتتح المجموعة النص المعنون (باب لا تراه الريح) وربما يكمن التجاوز الذي أختص العرامي بين الأدباء الشباب في اليمن أنه شاعر عاطفة وناثر تأمل ويتوازن بين هذا وذاك شواغل باله كناقد ولعل التوهان الذي يعيشه كأديب له وجوه متعددة فهو ليس نفسه في العرامي الشاعر عن العرامي الناثر أو الناقد لكن ماذا لو وجد العرامي نفسه .. فبلا شك قد يتناقص منسوب الإبداع في كل شكل وأنا لازالت أبحث عنه بين درويش وسعدي يوسف وأنسي الحاج والبياتي منذ ثلاث سنوات ولا أجده لأدرك بعدها أنه خليط لأكثر من هؤلاء، أما إذا فقد شاعر مثله العاطفة والتأمل (الحب - الفكرة) فإن الجواب (ليس يحضرني الآن).