المخدرات أفسدت عقول كثير من الشباب، ودمرت أخلاقهم، وغيّرت من طباعهم، وتركت أثراً سيئا في المجتمع الذي يحيط بهم، بالإضافة إلى مشكلات كثيرة ترتبت عليها يصعب علاجها، وبما أن الفراغ مدعاة للأفكار الحالمة، والأهواء الآثمة، فإنه يولد إحباطات نفسية عند هؤلاء، ويقودهم إلى العبث والانحراف، وإدمان المخدرات جزء من هذا العبث المستشري، التحقيق التالي يغوص في ذات الإشكالية العويصة، على اعتبار أن مسؤولية ذلك يتحملها كل من يعنيهم أمر الأبناء (أطفالا ومراهقين وشباباً).تساؤلات وسط حيرة واجهتنا تساؤلات عديدة حول ما يعصف بانحدار الشباب إلى فخ المخدرات، و ما هي الحلول التي يجب إيجادها لكي نوقف هذه الظاهرة من الانتشار، و ما هو موقفك إذا علمت أن شخصاً عزيزاً عليك قد أدمن والعياذ بالله على المخدرات, وكيف ستساعده؟!. - عدنان القياضي (طالب في قسم علم النفس بجامعة تعز) قال: إن الفرد يصبح عرضة لإدمان المخدرات أياً كان نوعها تحت عدة ظروف: أولها الهروب من الواقع الأليم الذي يعيشه، أو أن يكون متأثرا بالبيئة التي يعيش فيها، كأن يكون ضعيف الشخصية فيتبع أحد المدمنين كتقليد أعمى، وخاصة إن كان المخدر متوفرا له ويعيش في ظروف اقتصادية وأسرية مناسبة. - وأضاف: لابد من التوعية والتي تبدأ من خلال الأهل، وذلك عن طريق الدين لطالما كان الدين معروفاً بدوره الوقائي كتقوية إيمان الأولاد بالله، لأنه أعلم بما يضرهم وما ينفعهم، والربط بين الإيمان بالله والأوامر لتجنب الوقوع بفخ المخدرات والأمور الأخرى المحرمة شرعاً، ثم يأتي دور الإعلام لما له من دور هام في تغيير السلوك الإنساني، وذلك بتغيير المعارف والقيم عن طريق المناقشة والإقناع، ذلك بأن تقدم معلومات عن الاستعمال غير المشروع للمخدرات، وأن يتميز هذا الدور بنهجين: نهج الترويع، أو التخويف، والنهج الواقعي . - وأردف: لن يكون موقفي إيجابياً مع صديقي المدمن، لكني سأتعامل مع الأمر بروية، ولا بد من أن أقنعه بالعلاج مهما كانت النتائج، ومع أن هذا الأمر ليس سهلاً، وأن يتم ذلك تحت الإشراف الطبي المباشر، وفي مكان صالح لذلك كالمصحات النموذجية، والقرى الطبية المخصصة لعلاج الإدمان، حيث يتم علاج كل مدمن بالطريقة المناسبة للعقار الذى أدمن عليه، وبما يتناسب مع شخصيته وحجم إدمانه ومداه. عواصف مدمرة من جانبها الأخت فتحية الشرعبي، قالت: ونحن نرى ونسمع ونعيش واقع شبابنا الذين تعصف بهم أوبئة الخمور والمخدرات، وقد قويت إغراءاتها وتيسرت سبلها ووسائلها المادية والمعنوية، حتى عمت عدواها كل الأعمار والفئات، فلم تتوقف عند كبار السن منهم، بل تعدتهم إلى الأطفال في المدارس والمراهقين في الإعداديات والثانويات وغيرها، حيث أضحت أبواب بعض المؤسسات و ساحاتها أسواقا لبيع وترويج هذه السموم القاتلة، وتعاطيها والتنافس فيها، فيا ضيعة الآمال وخيبة المساعي، إذا كانت هذه وضعية أبنائنا الذين نأمل فيهم تطهير واقعنا من المهانة السائدة، وبناء العزة المفقودة. - وأضافت: كيف الحال والمآل وهم في مهب العواصف المدمرة بغير عناية حقيقية بهم، ولا وقاية، ضحايا حرب غادرة مدعومة بسلطة المال والنفوذ والإعلام، سواء من أعداء الأمة في الخارج، أو من الفاسقين ودعاة الفساد في الداخل؛ حرب بأسلحة الدمار الشامل، أسلحة التخدير والإسكار للعقول والنفوس والأجسام والإرادات مادياً ومعنوياً، وكلاهما وباء خطير وشر مستطير. المسؤولية عامة وقالت الشرعبي: فمن المسؤول في ذلك كله عما يعاني شبابنا من هذه البلايا، لا شك أن المسؤولية عامة، مباشرة وغير مباشرة، يتحملها كل من يعنيهم أمر الأبناء، أطفالاً ومراهقين وشبابا، الآباء والمعلمون وسائر المربين الذين تنكر بعضهم وتقاعس أكثرهم عن أداء واجب رسالاتهم التربوية في رعاية الأجيال، ووقايتهم وحسن توجيههم بما يقوي مناعاتهم الإيمانية والخلقية تجاه عناصر التدمير والإفساد، ونهيب بالمسؤولين الحكوميين أن يمارسوا الرقابة الأمنية الكافية الحازمة والمحاسبة اللازمة الصارمة للجناة المفسدين، ونهيب بالإعلام ألا يروج لهذه السموم بإغراءات الأفلام والإشهارات والسهرات التي تقترن فيها مشاهد البطولة والإثارة بالسجائر والخمور والمخدرات، ثم آفات المقاهي والملاهي المنتشرة كالطاعون، التي توفر الأوكار والأجواء المغرية بالتقليد والإدمان على تلك الآفات. - وأضافت: أما المتاجرون والمروجون للخمور والمخدرات والأقراص المهلوسة وسائر المسكرات فهم أكبر المجرمين، وهم القتلة الفجرة، الذين يسممون الأبدان ويدمرون العقول، ويحطمون المروءة ويحاربون الدين، ويبيدون أسباب الأمن والاستقرار، ويهدمون الأوطان ويهدرون كرامة الإنسان، فهم لا يستحقون إلا العقاب الشديد، و شن حرب عليهم بلا لين كما هم يمارسون حرب السموم القاتلة على شباب الأمة ورأسمالها الحيوي الثمين، أما شرع الله تعالى فقد توعد بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة ، كل المفسدين الذين يعملون على إشاعة الفواحش والفساد في مجتمع المسلمين. التصدي لهذه الآفة من جانبه الأخت عبدالله هزاع (مدرس علم نفس) قال: إن تفشي ظاهرة المخدرات بين فئات الشباب تعد الأخطر بين الظواهر الأخرى التي تم ذكرها، إذا ما اعتبرنا أنها المغذي الرئيس للجريمة والانتحار، ولذا فإن ظاهرة تفشي المخدرات لا يمكن التستر عليها بالصمت، ويمكن ربطها ربطاً مباشراً بمعدل الجريمة والانتحار الذي بدأ يطفو على الساحة اليمنية كظاهرة جديدة تتنامى وتثير القلق . - مضيفاً أن الارتفاع بنسبة الجريمة لا بد أن يكون ذو علاقة وثيقة بنسبة انتشار المخدرات، وان معدل الجريمة يتناسب طردياً مع تفشي هذه الآفة بين الشباب، لا شك أن غياب الوعي لدى فئة كبيرة وشريحة واسعة من أولياء الأمور عن المخاطر الحقيقية و الوخيمة التي تعصف بأبنائهم إذا ما جرفهم هذا التيار وركبوا سفينة الهلاك يعد من أهم العوامل المؤدية إلى تفشي هذه الظاهرة؛ إذ أن وجود الوعي لدى أولياء الأمور وخاصة “الأمهات” وذلك نظراً لدور الأم وسرعة انتباهها لأي مؤشر غريب يطرأ على سلوك الأبناء، إنما يسهم إسهاماً كبيراً في درء الخطر والحد من تفشي هذه الآفة. - وأردف: إن التصدي لهذه الآفة لا بد وأن تُستدرك بطرق حضارية وأساليب علمية ومنهجية سليمة وبذل جهود متنوعة و متضافرة قبل فوات الأوان وخروج الأمر من نطاق السيطرة، وإن الواجب الإنساني والأخلاقي يدعونا جميعاً للتآزر والتعاضد والتعاون من أجل الوقوف في وجه مثل هذه المشاكل التي تعصف بالمجتمع وأبنائه، ولا يكون ذلك إلا عبر الإرشاد والتوعية بالمخاطر الجسيمة التي تنتج عن مثل هذه الآفة، وتوضيح الشرع الديني الذي يقضي بتحريم تعاطي المخدرات وكل ما يُفسد العقل ويُذهِب الروح، وتبيان أن جسد الإنسان أمانة أو وديعة ينبغي علينا الحفاظ عليها وصيانتها من المخاطر. دمار ذاتي الأخت هيام محمد القدسي ( احدى المصحات) قالت: إن من أصعب التحديات التي تواجه شبابنا اليوم وتضع أمام المجتمع معضلة تستلزم الوقوف عندها آفة المخدرات وشرب الخمور التي تعصف بجيل من المؤسف أنه يقف في طليعة القوى المنتجة أو المهيأة للعمل والدفع نحو كل تطور وتقدم, فانتشار هذه المواد السامة والمدمرة لكل مناحي الحياة, الصحية, الأخلاقية, الاجتماعية وبالأخص الإنتاجية, تدفعنا نحن الأهل والأصدقاء ومؤسسات المجتمع المدني والدولة للتكاتف والعمل سويا للحد من هذه الظاهرة واستئصالها, لما تشكله من مخاطر تهدد الجميع حتى باتت المخدرات هي الطريقة الأسهل لتعميم الفوضى والشلل والدمار الذاتي لمجتمعات تكون قد قضت مئات السنين في العمل وبذل الجهد للتقدم والاستقرار. - وأضافت: إن المدمن هو الإنسان الذي بلغ به الخضوع والانصياع أن يفعل كل منكر, والذي قد لا يتورع عن القتل والأمثلة على ذلك كثيرة, فكم من مدمن كانت أولى ضحاياه أعز الناس إليه وأقربهم, في الوقت الذي يستطيع أن يكون هو ذاته عنصراً فاعلاً منتجاً لو كان سوياً سليماً، إن أولى المهام التي يجب علينا القيام بها نحن الأهل بالدرجة الأولى أن نكون إلى جانب أبنائنا وبناتنا باعتماد التربية والسهر على إرشادهم، لكي لا تزل بهم القدم, ثم الدولة عبر المؤسسات الثقافية والتعليمية في المدارس والجامعات, والوزارات ومؤسساتها التي دورها أن تؤمن المادة التثقيفية والقدرة المالية لمساعدة هيئات المجتمع المدني القادرة على لعب الدور الأهم في الوسط الشبابي بالتعاون مع الأهل والمجتمع بشكل عام. مفترق طرق تضيف القدسي: لو أن الثقافة والتوعية رافقت أبناءنا منذ بدء تشكل الوعي لديهم من قبل ذويهم وفي مدارسهم بأن يكون ذلك من ضمن المنهج الدراسي, وفي وسائل الإعلام عبر برامج مخصصة لهم وعلى قياس مداركهم, ترافقهم طيلة فترة تطور وعيهم لكانوا محصنين عند اصطدامهم بالتجربة الأولى أو تعرضهم لها، والتي تشكل الانزلاق إلى الهاوية في أغلب الأحيان، وتكون مفترق الطريق والخيار الخاطئ الذي سيرسم مسار البؤس لاحقا فيدمر مستقبلا وحياة لإنسان لم يكن يعلم إلى أين ستسوقه الأقدار، ليس إلاَ لعدم معرفته المسبقة بمخاطر المواد المخدرة وأضرارها. - وقالت : قد يكون لمنتجي ومروجي المواد المخدرة في سبيل الكسب المادي حجتهم بأنهم لا يجبرون أحداً على استعمال ما ينتجون ويروجون, لكن حجم الدمار الذي يحدثونه على المستوى العام والوطني, يجعل حجتنا أقوى ويدفعنا إلى رفع الصوت أكثر, لتكون العقوبات في مستوى ما يلحقونه من خراب وضرر لمجتمعات بأكملها, لا تقل عن القتل العمد وإن تكن بغير الطريقة المباشرة, لتماثل وتطابق النتيجة النهائية أي القتل, فتعتمد العقوبة ذاتها للقاتل المتعمد. موت بطيء محمد الأصبحي قال إنه يعتبر ترويج المخدرات والإتجار بها من الجرائم ضد الإنسانية، ذات الطبيعة الدولية (الإرهاب الدولي) المتمثل في أفعال تشكل خطورة على النظام الاجتماعي، والمصالح العامة لكل الإنسانية، وتعد انتشار المخدرات من الكوارث الإنسانية التي تعصف بالعالم، لما تفرزه من أفراد معطلي العقل والإدراك، مما ينتج عنه شلل كامل يمنعهم من القيام بواجباتهم نحو أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم، بل يعتبرون مرضا خبيثا ينتشر في جسد المجتمع لينخر قواه شيئا فشيئا، ويزعزع أمنه وأمانه؛ فالمخدرات من أهم أسباب انتشار مرض الإيدز، والأمراض النفسية والجنسية، والشذوذ الجنسي، بل هي موت بطيء محتم لمتعاطيه، لأنها تسمم أجزاء جسمه وتتلف أعضاء جسده وتدمرها. ضعف المراقبة الأخت بدرية عباس، قالت: قد انتشر تعاطي المخدرات بين صفوف الشباب في الآونة الأخيرة لاسيما في ظل الانفلات الأمني، وبدأ ذلك من خلال توسع حجم الجرائم التي يرتكبها الصبية والشبان ممن يتعاطون أنواعاً من هذه المخدرات، بما يؤكد أن المخدرات تقف وراء الكثير من الجرائم المقترفة. - وأضافت: ضعف المراقبة على الحدود وعلى صرف بعض الأدوية المخدرة، كان من بين ما أشاع تناول المخدرات بين الناس، إذ دأبت الصيدليات على إعطاء الأدوية دون وصفة طبية، واستثمار تجار المخدرات لتجمعات الشباب مثل صالات البليارد ومقاهي الإنترنت لإشاعة المخدرات بين صفوف جيلنا الجديد. أولياء الأمور عبدالله المخلافي يحمّل الآباء وأولياء الأمور مسؤولية الحفاظ على أبنائهم من الانحراف والجريمة ومخاطر المخدرات.. ويقول : يولد الإنسان كالدرة سليم الفطرة سليم الجسد، ومثل هذا المخلوق البريء الطاهر السوي الذي خلقه الله تعالى في احسن تقويم ينبغي على أبويه أن يشمرا عن سواعدهما حتى يحافظا عليه واضعين إياه في أهداب عيونهما، فالشاب يمكن لأبويه ولمدرسته أن يحافظوا عليه حتى ينشأ على الفطرة البيضاء، وهذه المحافظة تكون من خلال تحصينه بالمبادئ الإنسانية الرفيعة وضخ الفضيلة في نفسه ووضع حد لرغباته الطائشة وتوجيهه نحو فعل الخير ومنعه من العادات الضارة. - وأضاف: إن المخدرات واحدة من العادات السيئة التي تؤدي بمجتمعاتنا إلى الانحدار وهنا قد لا تنفع الإجراءات الرسمية مثلما الدور الذي يقدمه البيت وتقدمه العائلة لمكافحة هذه الآفة وغيرها في نفوس الأبناء. معوقات لكل شاب حلم ولكل عائلة أحلام ترسمها لأطفالها، وهناك أسر طالما كانت معززة مكرمة في بيوتها لا تشتكي فقرا ولا عوزا، لكل فرد منها حلم وأمل يسعى لتحقيقه في هذه الحياة، وبين عشية وضحاها تحطمت تلك الأحلام، بعد أن وجدت نفسها بين قضبان المخدرات التي أدمن عليها فلذات أكبادهم، ولكن البعض من الأسر قد يكون نتيجة إهمالهم والبعض الآخر قد يكون رفقاء السوء وبين حيرة وألم نتساءل كيف المخدرات عصفت بهم وحولت حياتهم إلى جحيم؟!!. التفكك الأسري والرفقة السيئة من أبرز المعوقات الماثلة، و قد يكون التفكك الأسري بانفصال الأبوين عن بعض، أو إهمالهما لهم وكل له حياته الخاصة، لأن الأسرة هي الأرض التي ينبت بها الأبناء، وهي القدوة التي تزرع فيهم القيم والمُثل العُليا، كما قد يزرعان بداخله الفساد والانحراف، لأن الطفل يتعلم من والديه كل شيء، ويقوم بتقليد أفعالهما حتى تصبح عادة له وسلوكاً يسلكه دائماً، وأسلوب حياة كاملة، ومن جانب آخر الرفقة السيئة التي وصفها نبينا الكريم بنافخ الكير، و أحياناً يكون كما قال المثل (الصاحب ساحب) و أصدقاء السوء كثر في وقتنا الراهن. - شبح المخدرات والخمور أصبح ورماً خبيثاً ينتشر في جسم اليمن الحبيب، يشكل الخطر الأكبر في اليمن انغماس شريحة كبيرة من الشباب في الآونة الأخيرة في وحله ومستنقعاته، التي أفسدت عقول كثير منهم، فمنهم من قتل أعز أصدقائه، ومنهم من ضيع مستقبله، ومنهم ضرب زوجته و أولاده، وشرد أسرته، ومنهم من ضرب أمه، ومنهم من حاول اغتصاب محارمه وغير ذلك كثير.