مضى عام منذ هُجرت قرية بأكمله من مهمشي قرية الأشروح - عزلة الشراجة بمديرية جبل حبشي بتعز تاركين منازلهم المبنية من الأحجار لا من الصفيح وحرق 3 من سياراتهم التي كانوا يعتاشون عليها , تتهاوى بمعاول « شرف القبيلي».. طيلة عام مضى ولم تحظ القضية بحقها الإعلامي , تماماً كما لم ينل المهجّرون حقهم من الإنصاف , فلم يتم ضبط الجناة , و لا تعويض المهمشين , ولا السماح لهم حتى بالعودة إلى ديارهم. استعادة شرف يظلم الغير! لا مناص أمام المحرر من التذكير بأن وراء ذلك كله من خراب وتهجير كان سببه قصة حب بين « قبيلية» و « مهمش» دفع الاثنان ثمناً باهظاً لحبهما الذي لا يقبله القبائل , فقد تزوجت المسكينة بعد ذلك بمن لا يحبها , أما هو فقد تجنى بحبه على أسرته وباقي قريته جميعاً. القصة ولكشف باقي التفاصيل توجهنا إلى منزل الشيخ محمد العطار أحد كبار مشائخ بني بكاري الذي كان أحد أطراف حل القضية التي لم تحل بعد ولأسباب تهرب الخوض في هكذا قضايا ذات صلة بالشرف لم نتوقع من الشيخ التعاطي معنا لغرض نبش القضية مجدداً , لكن الرجل فاجأنا بأريحيته وجرأته وتغليبه للجانب الإنساني والديني والحقوقي فوق ما دونه من الجوانب الاجتماعية الظالمة والمزعزعة للنسيج الاجتماعي ولقيم التعايش السلمي , مبدياً استعداده لنقلنا بسيارته وبمعيته إلى المنطقة بمعية مدير أمن المديرية , وهو ما تم في اليوم التالي للقائنا به , وأثناء السفر الشاق عبر الجبال الشاهقة والطرق الترابية الوعرة بدأنا نستمع إلى تفاصيل أكثر عن أسباب ما جرى , ومن أهم ما قيل نورد بلسانهم التالي: في أسفل منازل قرية الأشروح تبدأ منازل المهمشين , ولأن الأخيرين ليسوا كبعضهم المتكأ على مهن دونية من وجهة نظر البعض فمن بينهم المزارع والسائق والبناء داخل القرية أو خارجها كما هو حال أحد شباب القرية العاملين في الجوف في مجال الزراعة , ونظراً لما سلف ولأن الأجهزة الالكترونية المسموعة والمرئية تعد من أولويات معظم الأسر المهمشة «الأريحية» , فقد حوى منزل الشاب المهمش ما لم تحويه أسرة الفتاة « القبيلية » المجاور منزلها عنه بنحو عشرين متراً فقط , ولأن الفتاة فائقة الجمال وحال وشخصية الشاب ليست سيئة فقد تولد حب بينهما , وعندما طلبها من أهلها هاجوا عليها , فلم تجد بداً من الفرار معه إلى الجوف وبالتالي الزواج على سنة الله ورسوله. في الصباح الباكر فرا من المنطقة وصولاً إلى مدينة تعز , وعندما علم أهلها استشاظوا غضباً وغيرة , فاحتشد معهم حتى شيخهم وطبيبهم ومدير مدرستهم ممن حررت في حقهم أوامر قهرية بعد فعلتهم ومضوا بأسلحتهم متأبطين شراً مهددين أسرة الشاب وأهالي القرية بتسوية المنازل مع التراب بمن فيها , تناوشوا قليلاً وتبادولوا مع شبابهم حسب ما قيل الأعيرة النارية , لكن الغلبة كانت للقبيلة فرفع المهمشون الراية بعد أن بدأت منازلهم السبعة تتهاوى على رؤوسهم واعدين بإقناع ولدهم العاشق بإعادة البنت , تهاوت الاتصالات بالشاب من أهله ومن الجميع فلم يستطع تجاهل ما قد يحل بأسرته ووالدته وقريته إن أصر على هربه مع من أحب , لم تغرب شمس ذلك اليوم إلا وسُلمت المسكينة إلى منزل الشيخ أما العاشق الذي طلب القبائل تأديبه وحبسه بتهمة اختطاف ابنتهم فقد ولّى هارباً إلى يومنا هذا , وهذا ما برر لقبيلة تهجير 23 أسرة مهمشة ورفض امتثال أهل البنت وكل من شاركهم بتعويض المهمشين عن ديارهم وسياراتهم وجميع أملاكهم. الأمن أمن الجناة! وخلال زيارتنا لأطلال قرية المهمشين التقينا بعض مهجريها الموزعين في الجوار والمبينة صورهم طي التحقيق فقال أحدهم الذي تحمل بظلمنا وميّع قضيتنا هو مدير أمن المديرية السابق رزاز الكامل , فبعد أن وصل المتهمون إليه بأوامر قهرية استخرجناها من النيابة قام بالإفراج عنهم وأرسل ملف القضية إلى النيابة دون أن يرسل باالمتهمين , لكن الأخيرة أعادت الملف نتيجة لذلك , وحتى اليوم وبعد عام كامل لا تزال النيابة تطالب الأمن بضبط المتهمين.. ولأن العقيد محمد الجنيد مدير أمن المديرية كان معنا في المهمة التي تصدرها أيضاً ليكتشف أغوارها ويرى القرية المدمرة فقد علق قائلاً: لم يمض على انتقالي للعمل هنا في جبل حبشي سوى شهرين , وقد ضايقني بالفعل ما حل بإخواننا المهمشين , ونحن الآن بدأنا نتعامل مع القضية من الصفر , وبدأنا بضبط اثنين من المتهمين هما حاليا موقوفين لدينا , سنمضي تباعاً بضبط باقي المتهمين , بعد ذلك سنرسل القضية إلى النيابة ليرى القضاء فيهم قوله. موقف المشايخ ورغم تفاؤل مدير أمن المديرية بضبط باقي المتهمين إلا أن الحلول الودية للمشائخ قد تبدو أقرب من حبال القضاء في ظل الأوضاع الراهنة ولحساسية القضية التي نحن بصددها المتصلة بالشرف وحيال ذلك قال الشيخ محمد العطار المشكلة أن أصحابنا من المشائخ و أهل البنت اشترطوا التعويض وإعادة المهجرين وترميم منازلهم بضرورة أن يسلم الشاب نفسه للقضاء الذي قالوا بأنهم راضون بما سيقضيه في حقه , أما أنا شخصياً فمستعد بمشاركة الأهالي والمشائخ بتعويض المهمشين الذين لا ينبغي أن يتحملوا وزر أحدهم , كما أن من حقهم العيش في الأرض التي ولدوا فيها , رغم أن جميعها ملك للقبائل , لكن تعاليم ديننا الحنيف وأخلاقنا القبلية المتوارثة تحضنا على منحهم الأرض والسلام والأمان للعيش وتبادل المنافع فيما بيننا وبينهم كونهم يمنيين مثلنا تماماً , ولا فرق بيننا وبينهم إلا بالتقوى , لكن تراكمات نسيجنا الاجتماعي وإرثه العقيم أبرز أسباب ما حل بأصحابنا المهمشين , وجعل نيلهم لحقهم الشرعي صعب وإنصافهم طويل لا بعيد المنال. للعبرة في نهاية زيارتنا الميدانية للمنطقة قيل بأن أهل الفتاة زوجوها لشاب يصغرها سناً ما يلبث أن يبرحها ضرباً كل فينة وأخرى ويرمي عليها الطلاق ويمضي متأبطاً سلاحه ليقطع الطريق ويرعب المسافرين من وإلى المنطقة دون أن يردعه رادع ! فيما المهمش الهارب ظلماً يكسب لقمة عيشه بزارعة وحراسة إحدى مزارع محافظة الجوف , فيا له من مجتمع ظالم بنسيجه وموروثه!.