ما أبلغ التأثير النفسي الذي تتركه فينا القصص الإنسانية التي نصادفها دون قصد للنشر، لا سيما وأبطالها من الذين «لا يسألون الناس إلحافاً» رغم ابتلاء الأسرة برمتها بالمرض والفقر والإعاقات. إنها أسرة الحاج محمد سعيد محمد البكاري ، أبرز مؤسسي جمعيتها قبل ثلاثة عقود عندما كان تاجراً يجوب دول الخليج ودول شرق أسيا واليوم صار مفلساً لا يمتلك ثمناً لعلاج أمراض شيخوخته ولا دواء ونفقات لأبنائه الثلاثة «المرضى والمعاقين». ففي زيارة استطلاعية لعزلة بني بكاري بمديرية جبل حبشي والتي ينعتها البعض ب«الكويت» لما تزخر به المنطقة من دور وقصور وفلل لأصحابها الميسورين المغتربين في المملكة والخليج العربي! ففي زيارتنا تلك للمنطقة حطت أقدامنا عن غير قصد أمام منزل الحاج محمد سعيد محمد البكاري “70” عاماً الذي لم يجد مفراً من كشف المأساة التي يعيشها مع أبنائه المرضى. «شوقي» هو ولده الأوسط وعمره ثلاثون عاماً كان مقيّداً وما يزال بالأغلال الحديدية منذ الصباح وحتى المساء في غرفة خارجية ملاصقة لمنزلهم شبيهة بالإصطبل، وما أن اقتربنا منه رويداً لتصويره فوتوغرافياً حتى بدأ كشبح لا يكسو عظمه سوى الجلد ولا يكسو الأخير شيء كما في صورته المرفقة - هكذا يقضي نهاره في زنزانته تلك! وكلما أدخلوه ليلاً لينام في البيت يصحو فيمزق ثيابه ويظل عارياً كما خلقه الله لا يعقل ولا يتكلم، أما جسمه وحركته ففي أحسن حال رغم هزالة جسمه الواضحة، حتى في أقسى أيام الشتاء البارد في قريتهم الجبلية فلا يقبل لباساً ولا غطاءً.. يقول والده: لا ندري به متى يمرض ومتى يتعافى وإذا فتحنا قيوده سيهيم في الجبال والأودية عارياً كالدواب رغم أن الدواب تعود إلى مسكنها أما هو فلن يعود، منذ أن خرج من بطن أمه وهو على هذا الحال معاق ذهنياً لا يعرف الكلام، وقد عجز الطب عن معالجته وعجزنا نحن عن إرساله إلى المصحة النفسية بتعز التي تطلب رسوم شهرية ما بين: «10 30» ألف ريال. عوض تركنا شوقي المعاق ذهنياً وانتقلنا إلى غرفة شقيقه المريض الآخر «عوض» 40 عاماً.. المريض من طفولته بالقلب رغم أن والده قد أجرى له «3» عمليات قلب مفتوح في المملكة لكن حالته ما تزال تعيسة ولم يسمح له المرض بالزواج. فهزاله جسمه أسوأ من شقيقه شوقي المعاق ذهنياً لكن عزة نفسه وكبرياءه اعترضت طريق الكاميرا إليه وراح يصرخ فينا: أنا مش مريض ولا معاق ولا أريد من أحد شيئاً. محمد أما ثالث بلاوي أبناء الحاج محمد سعيد البكاري فهو الإبن الثالث محمد أصغرهم سناً ووحده الذي تزوج وصار له «4» أطفال لكن زوجته خرجت تصرخ لا بطلب المساعدة من الشيخ محمد العطار الذي ذهبنا بمعيته بل تريده أن يكف عنها أذى زوجها وتكرار ضربه لها بعد أن ضاقت به بلا عمل وأطفاله لا يجدون الزاد، التفتنا إلى زوجها فبدا من كلامه وعمره أنه مجرد فتى بالغ في العشرين من عمره يعي ما يُقال من حوله لكنه لا يتجاوب مع المحيط بعقل وحكمة ويومئ برأسه سلباً أو إيجاباً ويفضل الهمهمة عن الكلام! حينها أدرك الشيخ العطار أن الابن الثالث مريض أيضاً، فاستأذن أسرته وأقله السيارة ومضى به إلى المدينة ليسكن مع مرافقيه يأكل ويشرب ويتكسب ما أمكنه ذلك والتزم لأسرته بمؤنة قمح ودقيق شهرية، فهل يا ترى يتكفل أبناء بني بكاري بكفالة تلك الأسرة من زاد ودواء ورعاية صحية بعد أن غدا رب تلك الأسرة بحاجة هو الآخر لقيمة الدواء وهو أكبر مؤسسي جمعية بني بكاري الخيرية التي تجاهلته أو ربما تبخر نشاطها! ولمن أراد التواصل مع رب تلك الأسرة فرقم جواله: «714492764».