زاد إقبال الأطفال في هذه الأيام على شراء الألعاب والمجسّمات ذات الطبيعة العسكرية، ويرى مختصون في علم النفس والإرشاد النفسي وعلم الاجتماع والتربية أن الأجواء المشحونة والأحداث والصور المكرّسة للنموذج السلبي للسلاح غير المشروع تقدّم للأطفال نموذجاً سلبياً إلى جانب الثقافة التقليدية السلبية التي تربط بين حمل السلاح والرجولة، كل ذلك يعتبره مختصون أكاديميون مدخلاً مدمّراً لنفسية الأطفال، ويتطلّب حلولاً عاجلة وآجلة في إطار مشروع مدني متكامل يعيد للأطفال توازنهم الثقافي. رواج غير معتاد فالأطفال زاد تعلّقهم بالألعاب العسكرية في الفترة الأخيرة، وأصبح لها رواج غير معتاد حسب قول بائع الألعاب بسام الزريقي، والذي يرى أن موسم شراء الألعاب كان قاصراً على الأعياد الدينية ونلاحظ تفضيل المسدسات والبنادق وإصراراً على اقتنائها، ومعظم أدوات القتال مجسّماتها متوفرة في محلات التجزئة والجملة، ويحرص الأطفال على الأسلحة التي تصدر صوتاً بل أن هناك في الأحياء الداخلية ألعاب تصنّع من قبل الأطفال باستخدام عُلب فارغة وتضاف إليها مادة الكربون المتوافر في السوق بسعر زهيد وتكاد لا تميز الفرق فيما تصدره من انفجار عن صوت ودوي طلقة من بندق آلي كلاشنكوف. طلب مستمر محمد سلطان بائع تجزئه قال: هذه الألعاب مرغوبة لدى الأولاد وحتى البنات هذه الأيام وتنوع أحجامها وتعدد أنواعها ورخص ثمنها يجعلها مفضلة، لكن ما كان معتاداً في المناسبات أصبح مطلوباً بكثرة وباستمرار. ثقافة تعزّز السلاح أحمد محمد ناصر تربوي قال: ماتزال ثقافتنا المرتبطة بالسلاح واقتنائه مؤثرة، ومن الناحية السلبية ماتزال في القرى عادات في جوهرها أن السلاح من مظاهر الرجولة والقوة، وتتردّد عبارات ولو للتندر أو إشاعة البهجة من قبيل افلخوه على البندق، وهذه العادة في جوهرها أن الطفل الذي سيكون شجاعاً هو الذي يتم وضع البندق بين رجليه في وضعية أشبه بركوب الحصان، وهناك من «يفلخ» الطفل على القلم ليصير عالماً أو قاضياً بالتحديد. أما اليوم فالآباء يحرصون على أخذ صورة للطفل وهو يمسك بالسلاح باعتبار ذلك بطولة. مدخلات ثقافية رأي علم النفس والإرشاد النفسي، إذ يؤكد الدكتور عبدالله الفلاحي إن الأطفال يتأثرون بالبيئة الثقافية المحيطة، والجو العام السائد وطول أمد الأحداث والصراعات ووجود الأسلحة سواء لدى المسلّحين في الأحياء والشوارع أو إطلاق النار، ثم إن ما تعرضه الفضائيات من برامج للأطفال والمسلسلات الكرتونية بما تبث بعضها من قيم وشخصيات عنيفة وأدوات وأسلحة خيالية، كما أن من الأسر وأفرادها من يخلط بين الشيء الحميد وغير الحميد، فمن حيث الجلوس أمام التلفزيون لوقت معين بحضور الأطفال شيء طيب لكن السيء هو مشاهدة أفلام الأكشن مثلاً، ومشاهد العنف وأنواع الأسلحة، وكل ذلك له تأثير على نفسية الأطفال من حيث الشعور بعدم الأمان وزيادة تعلّقه بالألعاب التي تُحاكي أدوات القتال ومجسماتها المتوفرة في الأسواق المحلية. وهذه مدخلات ثقافية تحتل مساحة في حياة الأطفال وهي سلبية بالطبع إذ يراها الأطفال جزءاً من ثقافتهم وحياتهم. تقمُّص ويؤكد د.الفلاحي أن الأسوأ على الإطلاق هو ان الأطفال يتقمّصون دور الشخصيات الكرتونية على أنها عنصر ثقافي،س أما الأثر المحتمل للثقافة السلبية التي تتمثّل في الوعي بمعنى القوة والمفاهيم المغلوطة عن السلاح بأنه يمثّل القوة الحقيقية للإنسان، ويرى د.الفلاحي أن الثقافة السليمة للطفل ينبغي أن تقوم على التوازن بين حاجاته للعب والتسلية والترويح والترفيه في ظل متابعة الأسرة والعناية بما يقتنيه من ألعاب مع غرس للقيم النبيلة منذ الصغر والتركيز على قيم المحبة والسلام والحوار، وهذا يتطلّب جهداً ووعياً لدى الأسرة حتى يعكس الأطفال في سلوكهم تلك القيم والثقافة السليمة لاحقاً، وهذا هو الأصل عندما تكون ثقافة المجتمع ثقافة سلام ومحبة وإخاء وتفاهم ورشد كون الأطفال يتأثرون بالقيم الايجابية، وتصير مدركات لديهم عندما يكون السائد في حياة المجتمع الأمان والسلام والجمال لا الحرب والعنف، وفي الحالة الأولى تنمّى القيم الايجابية في نفوس الناشئين. لكن هناك جانباً في الثقافة التقليدية أيضاً يؤثر سلباً في ثقافة الطفل، فعندما يكون السلاح معلّقاً في صدر الغرفة في المنزل، وحمل السلاح حالة عادية وفي الشارع من يتجوّل بالسلاح فهذا يمثّل معطى للأطفال بأن للسلاح قيمة ما بالك عندما يدخل الروضة أو المدرسة. ويجد الحارس مسلّحا،ً ويمر في الشارع ويشاهد الطقومات وعليها مسلحون، فكيف لا يتأثر وينشأ على هذه الثقافة؟. سنّ التأثّر ويؤكد د.الفلاحي: إن الخطورة على الطفل من الثقافة السلبية وتأثره بها تأتي في مرحلة التأسيس الحقيقي، وهي المرحلة المحصورة بين سن 4 11 سنة، وإذا تفحّصنا الأمر سنجد أن اقتناء الألعاب العسكرية لدى الأطفال من أصحاب هذا السن وإن زاد بين الأقل سناً. إعادة ترميم الذات للأطفال ولتعديل الثقافة السلبية للأطفال والمنعكسة عن محيط ثقافي غير صحي يحتاج الأمر إلى وقت طويل لا سيما أن الفئة العمرية من “4 11” سنة تمثّل مرحلة الارتقاء، والحل الجذري يتطلّب ثورة ثقافية لإعادة ترميم الذات لدى الأطفال. وهي مهمة ينبغي أن تنهض بها مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة ومنظمات مجتمع مدني وإعلام ومراكز أبحاث.. تحتاج إلى ثقافة جديدة تنهض بها مختلف المؤسسات لأن الأطفال سريعي التأثير بما حولهم يقومون بقص ولصق للمشاهد ويتأثرون بها، فهم مثلاً حين يرون أن القوة في حمل السلاح والبطولة في شخصية الرجل المسلّح فإنهم يكونون على قناعة بأن الرجولة والقوة تعني حمل السلاح منذ صغرهم وإلا فإنهم سينتهون كأطفال من دونه والحلول العاجلة تبدأ بتقديم برامج ثقافية طارئة تحاول إعادة التوازن الثقافي السليم للطفل الذي بدأ يعتقد بأنه يعيش في محيط تسوده ثقافة عنف، ثم بعد ذلك لابد من برنامج ثقافي شامل يستطيع أن يعدّل المزاج الثقافي للمجتمع بشكل عام، لأن ما نشاهده من أجواء عنف يعكس حقيقة أن السلاح في بلادنا جزء من ثقافة المجتمع، ومن الطبيعي أن نجد ثقافة تعلّق الأطفال بالألعاب العسكرية امتداداً للثقافة التقليدية للمجتمع وسلوك الكبار، ونأمل أن يُساهم الإعلام وذوو الاختصاص في الوقت الراهن في توضيح المسألة والتأثير السلبي للوضع على جوانب نفسية الأطفال، ودعم البرامج الثقافية العاجلة لمواجهة المشكلة. السلاح.. كأداة للخلاص من جانبها أكدت د. أنيسة دوكم (جامعة تعز) أن إقبال الأطفال وتعلّقهم بأشكال الألعاب والمجسّمات ذات الطبيعة العسكرية مسألة طبيعية في الوقت الراهن، لأن أمامهم نموذج سلبي للقوة والقدوة، وتملأ أسماعهم وعيونهم أحداث وصور عمّن يحمل السلاح، ونماذج القتل والعدوان. وتضيف د. أنيسة قائلة: ما دام أمام الأطفال نماذج عدوانية يتكلّم عنها الناس على مدار اليوم فمن الطبيعي أن يتأثّر الأطفال بهذه النماذج التي تحمل وتستقوي بالسلاح بوجه غير شرعي، أضف إلى ذلك مناخ الحرب، كما أن أجواء الحروب والصراعات، والكراهية عادة ما تترك تصدّعات في نفوس الأطفال، ويصبح السلاح في نظرهم هو أداة الخلاص من الشعور بافتقاد الأمان، وبذلك هم يحتاجون إلى دعم نفسي ودعم مؤسّسي من الآباء والأمهات والمربّين في رياض الأطفال والمدرسين في المدارس وإسهامات من قبل منظمات المجتمع المدني من أجل احتواء الصدمات النفسية لتبدأ بعد ذلك في استعادة الهدوء وتطبيع الأوضاع الأمنية والسياسية في ربوع الوطن عمليات أخرى أعمّ وأشمل. العنف يولّد العنف وعن إمكانية واحتمالات انعكاس التأثّر بالقدوة السيئة والنموذج السلبي على سلوك الأطفال مستقبلاً أكدت د. أنيسة أن هناك أناساً يموتون ضحايا لسوء استخدام السلاح، فمن فقد أمه أو أباه، أو قريباً إلى جانب صور أطفال، وكبار وهم أشلاء كل ذلك يُقنع الطفل منذ الصغر أن القاتل هو النموذج القوي، وأن سلاحه هو سبب قوته وهذا الطفل سيتعامل بنفس الأسلوب مستقبلاً وسوف يعكس ما بداخله من آلام وأسى، وهذا أمر مخيف، حيث إن العنف يولّد عنفاً، ومن واجبنا أن نركّز اهتمامنا على ما يُصيب الأطفال في مثل هذه الظروف مع الاهتمام الكبير بما يفضّلون من ألعاب، وما مدى تأثّرهم بالوضع الذي مرّ ويمر به البلد، وعلاقة كل ذلك بالسلاح. نموذج إيجابي بديل وتقول أستاذة الإرشاد النفسي: من الضروري أن نعمل شيئاً الآن على اعتبار أن المشكلة ستظل موجودة لفترة طالما أن النموذج السلبي موجود، لابد من متابعة الأطفال والعناية بهم وحمايتهم من مشاهد العنف والاهتمام أولاً بتوضيح أن النموذج الإيجابي للإنسان يقوم على الفكر والثقافة السليمة القائمة على قيم السلم والمحبة والعمل الخلّاق، وكل ذلك هو ما يحث عليه الدين وتستقيم به الثقافة الوطنية، وهذا ما يجب أن يتضح للصغار.