الأطفال يعبرون عن فرحتهم بالسلاح في العيد.. مع انطلاق أول أيام عيد الفطر في اليمن وبخاصة في صنعاء العاصمة وواجهة البلد, برزت في الشوارع والأحياء والحارات ظاهرة خطيرة أخذت تتمدد بصورة عنيفة لتغدو مشكلة وتنبئ بحال من إقبال عينة واسعة من الأجيال الجديدة لفئة الأطفال بعمر الزهور والبراءة على شراء أدوات سلاح تحاكي أدوات القتل والعنف من قطع آلية ومسدسات, حيث كان الإقبال كثيراً على محال الألعاب وتجار الخردوات كما يؤكد “عادل” صاحب محل بيع ألعاب. ألعاب وخردوات تحرّض على العنف لدى الأطفال في اليمن, ألعاب تحاكي في صناعتها مختلف ألوان المسدسات الصينية والروسية والأميركية والتركية الصنع ماركة “لوك” لكن بمتناول الأطفال, كلعب وقاذفات غير حقيقية, بيد أن أثرها النفسي في الثقافة والواقع الاجتماعي عند الأطفال يعكس دلالات جد خطيرة على الصعيد المستقبلي سواء القريب منه أم البعيد والمنظور. تردّي الثقافة المكرّسة في اكتساب وقبول وإقبال الأطفال من مختلف الأعمار ولو كمحاكاة للكبار وتواطؤ من قبل الآباء ستكون له عواقب وخيمة وكارثية حتى على المدى القريب, ناهيك عن أن ثقافة البيئة الاجتماعية المكتسبة تكرّس بشكل أو بآخر أو تساعد دونما وعي أو نصح ثقافي وإعلامي على تنامي الظاهرة التي غدت مشهداً واسعاً من العنف مبررة التسلية والفرحة لدى الأطفال، حتى الفرحة لدينا في اليمن كمواطنين وآباء يراد لها في الثقافة المعتادة ومع غياب الخيارات والبدائل النوعية للترفيه المنتج لقيم الجمال والتنزه في غير مدينة أو محافظة في الجمهورية أن تبقى مرتهنة لمنظور “الشيخ” أو النافذ في مجتمع القرية والمنطقة أو المدينة والمحافظة أو البلد, ما يفضي إلى نمو ظوهر العنف بأكثر من مشهد أو صورة وتعبير لا يوحي بمدنية قيمة حضارية في السلوك, ما استدعى ويستدعي نمواً للظاهرة بدلاً من دراستها واختفائها أو تلاشيها ليستشف المرء من غيابها مثلاً وعياً مدنياً ملموساً هنا أو هناك, لكن دونما جدوى كما يبدو لأن بقاء الظواهر المسلحة للكبار جعل الصغار من الأطفال يقلدونهم وإن باقتناء لعب تحاكي قطع السلاح النارية من محال الخردة ومنتجات خاصة بالأطفال!. إن تأثر الأطفال من النشء في اليمن حد التشبع بثقافة العنف بعلم الآباء أو دون علمهم في شراء السلاح وحمله كقيمة وثقافة للعنف وللتعبير العفوي حتى لدى كثيرين منهم باستخدام الذخائر المصنعة للتسلية أيضاً؛ لا يجعلنا نثق كمواطنين بجدوى أي تغيير, بقدر ما تقل أمامنا فرص التحوّل, وتتنامى ثقافة العنف والقتل لصالح خيارات الرجعيات والشموليات وأصحاب المصالح الضيقة وتجار الخردوات الذين لا يجدون أي رادع لهم في استيراد مثل هذه الألعاب والمفرقعات نتيجة غياب الدولة بالمعنى الوطني والثقافي والأخلاقي أيضاً. ويبقى أن تأثير التلفزيون أيضاً وبخاصة مسلسل “همّي همّك” على الأطفال في اليمن أخذت ملامحه تبرز بصورة أو بأخرى في تقليد البدو بالغزوات وحمل البنادق, لكن هذه المرة يغدو الشارع والحارة والحي كما في عديد مشاهد بصنعاء اليوم للأطفال, استبدلوا الصحراء بالمدينة, وقيم المدنية والتنوير الذي يفترض أن يكون الآباء قد لمسوه وتأثروا به حتى على صعيد تجاربهم الشخصية مع الثقافة التنويرية أو الاستئناس بالكتاب المعرفي, لكن الطبع كما يقال والمكان أو البيئة أيضاً غلبت التطبع لدى بعض الأسر والآباء, ليبرز مشهد العنف كتعبير عن فرحة الأطفال؛ فيما تغيب أي خيارات أخرى للتعبير عن الفرحة في مناسبة كهذه..يحتل تأثير الشاشة والبيئة وعي التلقّي عبر احتكاكه بواقع عنيف أيضاً، ومشاهدة للتلفزيون تقتل لدى الأطفال إمكانية وأمل التحوّل لدى شريحة منهم وبخاصة في عمر خطير بتفاوت أعمارهم ومشاهداتهم مسلسلات بعينها تكرس قيم عنف جديدة كالميل إلى ثقافة “البداوة” والعودة إلى بناء شخصية النافذ في القبيلة “الشيخ” وعدم تجاوز تلك القيم البالية لدى كثير من الشعوب والدول لم تعد تتمثل “البندقية الآلية” ومختلف أنواع الأسلحة كشخصية في التعبير عن حضورها سواء في الشارع أم البيت أو أي مجال عام أو مجال ثقافي وسياسي تحضره أو تحاور فيه, وأوجه سؤالاً لأمين العاصمة ومحافظي المحافظات والمدن الأخرى ومديري المديريات ودور الآباء والمدارس ورياض الأطفال: أين أنتم, وما هو دوركم، وهل يبقى الأطفال والشباب من الأجيال المعوّل عليهم في بناء الحاضر أو المستقبل نهباً لتجار الخردة ومن لا يريدون سوى أن تبقى ثقافة العنف والقتل “فلكلوراً” في اليمن, متى يتم المنع المطلق لاستيراد مثل هذه الألعاب التي يحتاج اليمنيون وأطفالهم بخاصة في مرحلة جديدة وخطيرة كهذه إلى ألعاب معينة تساعد النشء على التفتح، وتبقي ذهنية الطفل في تركيز على العلم والدراسة والأسئلة وخيارات الذكاء؛ لا أن تتجه به إلى البداوة أو البلادة في الفكر والوعي والتبلد والتخشب الذهنيى. المسئولون في “الدولة” ووزير التربية والجامعات ومراكز البحوث إن وجدت أيضاً لدراسة الظاهرة يجدر بهم أن يدركوا خطورة ذلك للحد من ظواهر كهذه تحاكي في فعلها الظواهر المسلحة لدى الكبار في المدن كمظاهر غير حضارية, كما يجدر بنا كأفراد ومجتمع أن نتبنّى قيماً مدنية متعايشة بعيداً عن العنف حتى لمجرد التعبير عن الفرحة بالعيد, وحتى لا نبقى عنيفين في تعبيرنا وأطفالنا في حال التعبير عن الابتهاج بالعيد, فلنردم الفجوات والقطائع الثقافية في المجتمع ونطالب كجماعات ضغط بعدم السماح لتجار الخردة بشراء لعب صينية لأطفال اليمن تحرّض على العنف وتبني وعياً مدمراً لدى الأجيال، تبقى الحاجة لاستيعاب ضرورة وجود جماعات ضغط في اتجاه المطالبة واستيعاب القوانين لمواد تمنع أي ألعاب نارية تحاكي السلاح وذخيرته الحية حتى لمجرد اللعب, والذي يتحوّل إلى مآسٍِ غالباً في اليمن, كما نشهد بين حين وآخر أيضاً كيف أن لعب الكبار بالسلاح الحقيقي في عرس يحيله إلى مأتم, ولعل التشريعات تتبنّى مواد ونصوصاً دستورية مقوننة في الردع والإلزام الاحترازي, وهذا شأن يتعلق بجهود أعضاء مؤتمر الحوار ضمن مصفوفاتهم لبناء الدولة, لتتم دراسة الظاهرة من جذورها, ووضع حد لمنع كل ظواهر العنف من هذا النوع أو ذاك, لأن الحاجة إلى قوانين ملزمة بعدم اقتناء السلاح سواء للكبار أم للأطفال أياً كان هذا السلاح لعباً أو محاكاة لصناعات وماركات من أي نوع وبخاصة المستورد منه من الصين ودبي وغيرهما. العنف وتنمية ثقافة العنف وقيم القتل والجريمة لدى الأطفال والنشء كثيراً سيؤثر على المجتمع بشكل سلبي بل تراجيدي ولو بعد حين في ظل سيادة الانفلات العام, وشيوع الأعراف فحسب لا في ظل غياب أي فعل أو فاعلية ملموسة لقوانين “الدولة” وذلك نتيجة تأصيل الثقافة المكتسبة بالمجتمع في النظر إلى السلاح؛ حتى إن بعض الأسر تبيع ذهباً لشراء قطعة آلي أو لشراء “الفرد” المسدس, ومن ثم اقتضى الأمر حسب الثقافة التي لا تجد بديلاً حقيقياً يبني الإنسان بقدر ما يترك فراغاً في الأمزجة لشراء لعب يتم اقتناؤها للطفل برضا الآباء في اليمن منذ السنوات الأولى..!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك