السبت 26 يناير 2013 04:52 مساءً يسأل البعض متفقهين عن "كلمة" الجنوب, وهذا حق لهم. لكن هذا التساؤل عن هوية الجنوب : "جنوب ماذا؟", و يطرحه "سروري", ضمن عجالة, فيما يشبه الخاطرة, ظهرت متوسطة الصفحة الأخيرة من العدد (162) لجريدة "عدن الغد", الصادرة في "عدن", بتاريخ: 23 ديسمبر 2012م, وإن كان في شكله محق, إلاّ إن باطنه يذهب في أبعاد مظلمة, وإن كان السروري على ثقة من أن أسلوبه في التورية, سوف ينال من عفوية وتلقائية القارئ (الجنوبي) خاصة, لكنني منذ اللحظة الأولى وجدتني أقف وجها لوجه مع استفزاز صلف, بأسلوب العليل المتعالي - "بلطجي" باللسان – كجنوبي, أنتمي هوية وثقافة وتاريخا, بل ووجودا إلى شعب الجنوب, الجنوب (المعرفة), الذي يعرفه السروري, وغير السروري, وقد عجبت أن تساءلا كهذا يكتب على صحيفة تكتظ صفحاتها بأخبار فعاليات الحراك الميداني والسياسي الشعبي الجنوبي. الموضوع يتجاهل قضية جدية بحجم ووزن "قضية" الجنوب. يذهب الى المدلول, مدافعا عن "الواقع", كما يتصوره, بحجج منطق الدلالة التعبيرية للدال اللفظي, الكلمة, كأنما يريد الإقناع بأن الكلمة "جنوب" لايمكن أن تكون واقعا إلا مضافا (ثانويا وجانبي القيمة) إلى مضاف إليه (كلي القيمة والثابت كأصل) وهو"اليمن". أجده يسقط نفسه في الشرك حين يردف متسائلا : "... ما ذنب كلمة "اليمن"؟ لتختفي من تسميات بعض الكيانات (!!!) الجديدة ؟ ". حتى يناهز ابداعات علماء الفيلولوجيا - فقه ومنطق اللغة - باستخلاص وإطلاق الحكم النهائي (لديه شخصيا) فيقول : "ففي ذلك تطرف في التحامق (!؟), يزعج اللغة (!!) العربية, ويضاعف آلام الطفل الجريح, الذي لا ناقة له ولا جمل في جرائم ذابحه". بصرف النظر عن الرمزية غير الموفقة (آلام الطفل الجريح) (جرائم ذابحه), واستخدام خال من الدقة, للتمثيل بالجنين المولود, ينزل من بطن الأم محاطا بماء البطن, الذي تنتهي حاجة الطفل اليه بمجرد انفاله عن جسد الأم (الأساطير الإغريقية), ولربما جاء ذلك من إفراط الأريحية الشاعرية لدى الأديب أو الشاعر أو الفنان... الخ. مسكين "سروري" لكم هو برئ براءة الطفل المستشهد به. لكن "سروري" المتسائل عن انتساب الجنوب, "جنوب ماذا ؟ وإن كان من الثبت أن حكمه قادم من شعور طغت فيه الوحدة والعزلة, حتى تصور إمكان الغوص في بحر الجنوب متدثرا بلحاف نومه, (وتلكم خصوصية لا ينبغي أن توخذ على الكاتب) إنها حيرة الإنتماء, لدى سروري, والإعتقاد بصحة تبعيته سياسيا للمنتصر الموهوم, إنه نوع عالق في محطة انتظار , يتصيد محور الإنتصار وما يمكن أن يعود به عليه من ثماره, فلأن جاء النصر (صنعانيا) مال معه, ولو جاء النصر (عدنيا) لاستبقه وادعى بطولته. بخست تجارة كهذه, يترنح معها مؤشر القيم, وينحصر الوجود وقيمه في ملجأ الذات (الأنية المتفردنة), ليجد المرء نفسه أعزلا تضيق به الوسيعة, حبيسا في دائرة ضيقة من الانتماء الوهمي, لا يرقى الى مصاف الإنتماء الوطني – الواقع. فما أجدر اليوم ب"سروري" ومن جاء على شاكلته أن ينطلقوا, شعبا نحو حريتهم وخلاصهم, بدلا من الركود – كالعادة – والبقاء في محطة إنتظار حقوقهم في الإنعتاق, والحياة الحرة الكريمة, عبر موقف سياسي بيني, مزدوج الدور , عصبة, إما أدوات بيد المغتصب الظالم "الذباح" – حسب السروري, وإما سواطير تمزق وتفتت جسد الثور المذبوح, اليوم ليس أمامك يا "العزيز" أنت وعصبتك إلا أن تتصلب أجسادكم جراء برودة صنعاء القارسة, أو أن تحرق جلودكم حرارة بركانعدن المتدفق. ما أحوجكم يا أبناء اليمن ال....... الى إنصاف الحق, لأنفسكم قبل كل شيئ, فحقكم ينتهي حيث يبتدئ حق غيركم, وهذا معيار الحرية, المسؤولية, ومنبعها الإدراك العميق والراسخ. "سروري" جربوا الحيادية والنظرة الواقعية الى الأمور, ولو للحظات, تجدون أن الجنوب جنوب الدماء التي روت شرف الإنتماء اليه, والصدور العارية التي صدت رصاص القمع, النافذ في صنعاء, جنوب الملايين الهادرة, التي آلت على نفسها إلا أن تستعيد الجنوب وطنا مستقلا , لشعب حر, في ظل دولة مستقلة, أن تنتصر قضية الجنوب مهما بلغ حجم وأمد التضحيات, إنه جنوب الإنسان الذي قرر أن ينتزع كامل حقوقه أو الموت دونها, وطن الشمس والنجوم الذي لايمكن مطلقا أن يطمس, أو ينسى ما حيي أهله. ألم تسمع بعد الصوت الصاخب وهو يهتف: كفى انتهى الفيلم, واستوعبنا الدرس. مصدر الصوت الجنوب وصاحب الصوت شعب الجنوب, وهؤلاء هم "الكيانات الجديدة" حسب زعمك, لك أن تراجع مقصوصتك مرة أخرى, ولا تستعجل نشرها ضمن كتاباتك – إذا ما وجدت - في كتاب يضاف الى إبداعاتك. ألا تدري أن إصرارك (ضمنا) على أن الجنوب لا يمكن أن يكون إلا جنوب "اليمن", قد كشف المحذور, وأوقعك في الشرك (لغة واصطلاحا). الجنوب وجود ليس بالإمكان إنكاره إطلاقا, بداعي إنه تحديد جهوي (جغرافي – طبيعي) يشير الى جنوب بلاد العرب ARABIA) - بلاد العرب). ولم تكن تسمية اليمن تطلق على كيان سياسي - إداري, إلا حينما أشار العثمانيون إلى سليلهم الإمام الزيدي (بحيى) بتغيير إسم المملكة المتوكلية الهاشمية, (ومركزها صعده), الى المملكة المتوكلية اليمنية, ليتماشى هذا التغيير اللفظي مع أحلام وأطماع الإمامة الزيدية في التوسع والسيطرة على مناطق ميامنة الكعبة وصولا الى سواحل بحر العرب. أما الجنوب التحديد السياسي – الإداري SOUTH ARABIA)) كما أسماه المستعمرون البريطانيون, ويضم مستعمرة عدن, والسلطنات والمشيخات المحيطة بها, على امتداد بحر العرب شرقا, وصولا الى تخوم عمان, و سبق أن دعيت تلك المنطقة كذلك بإسم حضرموت, عشية أفول نفوذ "الرجل المريض", وهي المنطقة الوحيدة التي لم تخضع لشريف مكة, الذي استلم زمام الأمور في باقي مناطق الجزيرة العربية, التي شكلت فيما سبق ولايات عثمانية, قبل أن يتقاسمها المستعمرون عقب الحرب العالمية الأولى.(إرجع الى فضائية الجزيرة, "برنامج: ارشيفهم وتاريخنا", حلقة سابقة, وهناك الخارطة). ونحتفظ بالكثير, طالما والموضوع ليس فقها لغويا ولا حتى سياسيا, وإنما حقوق ومصالح حيوية, لشعوب حية.