اتحاد الادباء والمثقفين العراقيين مواضيع ذات صلة اكد العديد من الادباء والمثقفين العراقيين عن عدم رضاهم عما تقدمه القنوات الفضائية من برامج ثقافية، مشيرين الى ان هذه القنوات لا تهتم اطلاقا بالمشهد الثقافي ولا تعرف كيف تتعامل مع الثقافة، وان كانت لديها برامج معينة من هذا النوع فليست الا لاملاء وقت من ساعات بثها، موضحين ان هذه البرامج لا تخدم الثقافة العراقية ولا المثقف العراقي، وقد القى البعض باللائمة على معدي البرامج فيما القاها البعض على ادارات القنوات التي لها منهجيتها الخاصة والبعيدة عن الهم الثقافي. بغداد: من خلال الاراء التي استطلعناها والمتابعات الخاصة للبرامج الثقافية للقنوات الفضائية نجد ان الاهتمام بالثقافة والمثقفين لا يمثل الا نزرا يسيرا جدا من اوقات البث وفي اغلبه لا يمكن الاشارة اليه بأنه يمتلك الطابع الثقافي الذي من الممكن ان يستوقف المتلقي او يعطيه فكرة عما يحدث او يفيده في الحصول على ما يريد من المتعة والفائدة، فالاغلب من القنوات لا تراعي الابداع او النتاج الادبي والثقافي، فهي تنطلق الى متابعة النشاطات في الامكنة المختلفة ولكنها لا تقدم سوى دقيقة او دقيقتين، كما ان اغلب هذه القنوات لا تقدم الاديب كما ينبغي في تعريفه للناس وتنشر كتاباته الابداعية، لذلك فأن افضل اديب عراقي لا يمتلك واحد بالالف من شهرة مغنّ بسيط، او واحد بالمئة من شهرة شاعر يكتب باللهجة العامية وهو ما يسمى (الشعر الشعبي)، بعد ان توجهت اغلب القنوات الى هذا النوع وخصصت له اوقات كبيرة. فقد اكد القاص والروائي نصيف فلك على اهتمام القنوات بالشعر الشعبي، وقال: الفضائيات العراقية لها خط خاص تتبع الممول، هذا الخط يحدده من يدفع لهم، يعني هناك توجه عام لكل الفضائيات تتبع رأس مال المالك، فلا تهتم لاي مشهد من المشاهد الثقافية، على سبيل المثال، خذ اية قناة تجد انها مشغولة من الصباح وحتى اليوم التالي بالشعر الشعبي، قناة اخرى مشغولة تماما بالفضائح فقط وبالشائعات ونشر الدسائس واطلاق الاحكام الجاهزة وما شاكل، ولذلك لم نسمع اي صوت في اي قناة من القنوات العراقية، ما عدا قناة الحضارة فيها بعض الاصوات والاخبار الثقافية. فيما اشار الشاعر فارس حرّام، رئيس اتحاد الادباء في النجف الى ضرورة ان تتركز هذه البرامج على التنمية الثقافية وتعريف الجمهور العام بقيم الثقافة، ونتاجها، وتفعيل قوى التفكير والنقاش الحر لدى الناس، فضلاً عن مناقشة قضايا أساسية في صميم ثقافتنا ومجتمعنا، فقال : للأسف، إن الغالبية العظمى من البرامج الثقافية في القنوات، بل حتى الصحف والمجلات، لا تزال تتصور ان عملها يتمثل في نقل اخبار الوسط الثقافي إلى الوسط الثقافي نفسه، وهذا ناجم عن خطأ ستراتيجي ومفهومي كبير، فالثقافة بناء على هذا النوع من العمل تعني انها مجرد فعاليات يمارسها أناس منفصلون عن المجتمع، ومن ثمّ فالمتابع الأكيد لهذه الفعاليات هم القائمون بها أو أصدقاؤهم، في حين ان العمل الصحيح من وجهة نظري أمام هذه البرامج في القنوات الفضائية والصحف والمجلات، يتمثل في العمل على إعادة تشكيل الجمهور الثقافي، وتقديم برامج تتكفل بهذه المهمة العسيرة لكنها الشيقة أيضا، وصولاً للعمل يومياً على توسيع رقعة المهتمين بالنتاج الثقافي العراقي والعالمي بين الناس، وهذا لن يتم ما لم يعدّل القائمون على هذه البرامج من رؤيتهم القائمة على الاقتصار على نقل وتداول "أحداث الثقافة العراقية والعالمية" إلى تقديم برامج ثقافية تتركز على التنمية الثقافية وتعريف الجمهور العام بقيم الثقافة، ونتاجها، وتفعيل قوى التفكير والنقاش الحر لدى الناس، فضلاً عن مناقشة قضايا أساسية في صميم ثقافتنا ومجتمعنا، من مثل علاقة النتاج الثقافي الحر والأصيل بإعمار القيم في المجتمع، ومشكلة انحسار القراءة في لدى الفرد العراقي (والفرد العربي بصورة عامة)، ومشكلة انحسار قدرة الناس على التخاطب باللغة الفصيحة تخاطباً صحيحاً، ذلك ان اللغة الفصيحة هي اللغة الأساسية للنتاج الثقافي، إضافة إلى تأسيس برامج خاصة بتنمية ثقافة الطفل والمرأة، وتنمية المواهب في النتاج الثقافي المتنوع، أما الاقتصار على "عرض" آخر ما كتب الكتاب والشعراء، وتناقل اخبار الفنانين والاعمال الفنية فهذا عمل يمثل برأيي أدنى درجات العمل الثقافي الذي تحتاجه بلادنا اليوم. اما الشاعر جواد كاظم غلوم فأشار الى ان ما تقدمه القنوات هي لتزجية الوقت ليس الاّ وملء فراغ، وقال : لم يلفت نظري ايّ برنامج ثقافي متميز في قنواتنا الفضائية العراقية عدا ماكانت تقدمه قناة الحرّة/ عراق وهي ايضا لاتلبّي الطموح ولكنها افضل بكثير مما نشاهده من اسفاف ببقية القنوات ويجدر ان اقول ان برنامج/سيرة مبدع الذي سبق وان قدّمته الحرّة /عراق كان متميزا حقا ويؤسفنا انه توقف ولاادري ما السبب، كنا نعوّل على قناة الحضارة ونتوسّم بها خيرا وتغطية لاخبار الثقافة ولكن خاب املنا فيها، حتى البرامج الثقافية التي تقدمها تلك القنوات هي لتزجية الوقت ليس الاّ وملء فراغ وكثيرا مانضطر الى ترك مشاهدتها واللجوء الى النت ومتابعة الشأن الثقافي عموما من المواقع الادبية والثقافية على الانترنيت فيما اكد الشاعر والكاتب محمد غازي الاخرس على ان معدي البرامج لا يتعبون أنفسهم في البحث وهذا ينعكس على برامجهم وينعكس من ثم على المتلقي الذي لا يعبأ بالبرنامج لانه سيكون باردا وروتيني، وقال : البرامج الثقافية دون قيمة وغير نافعة وأبعد ما تكون عن روح الثقافة،وأعتقد إن الأمر لا يتعلق بالعراق فقط بل بأغلب البلدان العربية، والسبب برأيي أن فهم الثقافة ظل في إطار ضيق جدا، فهي عند المهتمين بالاعلام تقتصر على الندوة أو المهرجان أو المعرض التشكيلي، لا يوجد لديهم فهم لفكرة الحراك والحوار التي تقوم عليها روح الثقافة الحقيقية، المتلقي نفسه لا يدري أي شيء عن هذا الجانب الحيوي من المشهد، أقصد كون الثقافة حوارا وجدلا واختلافا وفهما جديدا للعالم، ذلك أنه اعتاد على هذا النوع من الترويج للأدب والفنون، فالبرنامج الذي يراه منذ سنوات هو عبارة عن ندوة أو مهرجان أو مشاهد من مسرحية وفي غضونها قد يقول فنان أو أديب عبارات ساذجة وانشائية. وأحيانا قد يوتى بضيف كيفما أتفق وتوضع له اسئلة متعجلة فيجيب عليها ببرود. واضاف : ذات مرة رأيت معدا تلفزيونيا يحاور الشاعر الفريد سمعان في اتحاد الأدباء فهمست بأذنه أساله عن قيادته انشقاقا في الحزب الشيوعي في نهاية الاربعينيات. فدهش وقال معقولة!. وتابع: المعدون العراقيون لا يتعبون أنفسهم في البحث وهذا ينعكس على برامجهم وينعكس من ثم على المتلقي الذي لا يعبأ بالبرنامج لانه سيكون باردا وروتينيا،غياب الحوار والحيوية عن البرامج الثقافية شيء موروث وليس جديدا وهذا ما يجعل البرامج الثقافية غير مفيدة ولا تحظى باحترام المشاهدين. اما الكاتب الدكتور كريم شغيدل فقد اشار الى هناك برامج ممتازة، وقال : لا نستطيع القول ان البرامج الثقافية في الفضائيات لسد الفراغ فقط ولكن يشكل بعضها نافذة ثقافية ممتازة لايصال صوت المثقف للجمهور العراقي او لجهات القرار او للمتابعة، انا اؤكد دائما على الصحافة الثقافية وليس النص الثقافي الذي قراءته تكمن وراءها قصدية، هناك مواطن او جمهور او قاريء هو يختار ان يقتني مجلة ثقافية او كتاب او ديوان شعر او رواية او قصة، بالمقابل هذا المواطن لا نستطيع ان نقحم عليه نصا ادبيا، ربما هو اكبر من استيعابه واهتمامه، ولكن عملية جر هذا المواطن الى الثقافة وبالتالي انفتاح الثقافة على المجتمع لكي تشل جزء من صيرورة المجتمع، علينا ان نغذي هذا المتلقي بالاخبار الثقافية، بالانشطة الثقافية، بمغريات قد لا تكون ثقافية خالصة ولكن لكي نضخ له خطابا ثقافيا , واضاف بعض برامج الفضائيات، وانا اشير الى برنامج (ابواب) على قناة الحرة وهو من اعداد زميلنا محمد غازي الاخرس،وبعض البرامج المهمة، ولكن هناك برامج حوارية ثقيلة تفقد قيمتها عند الجمهور العام على الرغم من اهميتها وأهمية ما يطرح فيها،فالجمهور العام جمهور (دارميات) وشعر شعبي واغاني، واذن.. كيف نوصل له ولو شيء من الرسالة الثقافية، احتاج ربما الى اغراءات في الصورة،في الحرة، في وسائل الجذب، باختيار الاشخاص والموضوعات، واسلط الاضواء على المثقف العراقي والثقافة العراقية وعلى اهمية التراث والنص الثقافي، الان طبقات الشباب لاتميز بين شعر عمودي او حر او حديث او خاطرة، لذلك الامر يحتاج الى انتباهة من معدي ومقدمي البرامج حتى يغذون المجتمع بهامش ثقافي يدخل ضمن صيرورة المجتمع. من جهته قال مقدم البرامج المعروف الدكتور مجيد السامرائي : كل القنوات تعتبر الثقافة حوارا فقط، انا اعتقد ان برنامج (تراجي) و(مراسلون) من البرامج الثقافية حتى ما يعادلها في اي قناة ينتهج نفس النهج، نحن لانعرف عن بلادنا اي شيء، كان عندنا زمان برنامج اسمه (اثر) الان لا يوجد منه، هناك شرائع وقوانين قبل حامورابي مثل لبت عشتار واشنونا، لابد من ثقافة قانونية اثارية، لابد من اعادة انتاج نصوص المسلة الخاصة بالمعاملات وليست العبادات، هل تدري انها قريبة من التشريعات المدنية الاسلامية في موضوعة الاحوال الشخصية. واضاف كثير من المخرجين ليس بنفس ثقافة المعد، حتى برامج عالم الحيوان ثقافية، اين الحيوانات التي تقبل ان يصورها احد في العراق؟ حتى الاليف صار متوحشا، الانواء والاعصار والامطار وهجمة السيول الشرسة وما حولها ثقافة، لم يبق عندنا فلكي ولاعالم انواء ولامؤرخ من بعد بهنام؟ قليلون في تاريخ العراق القديم، رغم ان الرجل اخذ شهرة واسعة صار بفعل الاعلام نجما، لكن هناك من يستطيع ان يسد الفراغ زهير صاحب مثلا ؟ لكن كم مرة ظهر على الشاشة فعلا، لااحد يكترث للبرامج الثقافية، لابد ان يكون صاحب القناة مثقفا، ذات مرة عملت في صحيفة حكومية اراد رئيس تحريرها ان يلغي صفحة الرياضة لانه لايحب كرة القدم !!، لكني مندهش مثلا لكل القنوات التي تستطيع ان تفتح ثلاث ساعات صباحية، لكن كم حجم الثقافة فيها ؟. وتابع : ربما لابد من الاتفاق على تعريف الثقافة انا اكثر من غيري اخشى ان نعيش (عصر تصحر ثقافي)، لانني كل يوم افتقد علما من العراق دون بديل، الاجيال لاتورث الثقافة لغيرها، العراقيون مثقفون رغم ان الثقافة الالكترونية دخلتهم حديثا، تصور كم سيبدو مفزعا لو افتقدنا خدمات الحاج (غوغل) ؟، لابد من قناة ثقافية خاصة مثل ناشيونا جيوغرافي، الثقافة ليست شعرا وقصة،الثقافة ان تكون قريبا من العصر، حتى برامج التسلح ثقافة، تصور برنامج ياخذ ساعة من وقتنا ليعلم النسوان وربات البيوت كيف نطبخ أكلة (الدولمة) او (تشريب الدجاج)، لكن لو جاءت سيدة مثل مريم نور لتقدم برامج عن الطب البديل والغذاء الامثل فهذه ثقافة، واذن.. لابد ان تنفق على تعريف معنى الثقافة مثلما نحن في حالة عدم توافق حول تعريف الارهاب !!. فيما اكد القاص عبد الامير المجر عن عدم رضاه التام عن البرامج هذه، فقال : لعلي من المتابعين لبعض هذه البرامج ولا اقول جميعها، هناك برامج تأتي كاسقاط فرض ولمجرد املاء مساحة معينة من وقت القناة الفضائية، وهناك محاولات جادة من بعض الفضائيات من اجل ان تخلق ثقافة لان لدينا نوعا من التقليدية في التعامل مع موضوعة الاعلام الثقافي، هناك من يذهب الى حدث ثقافي قام كأحتفالية وغيرها ويغطيها، وهناك من يصنع حدثا ثقافيا من خلال استنطاق الكثير من المفردات في حياتنا اليومية وحياتنا الثقافية ويحاول ان يجعل منها محورا لنقاش، وبذلك يقوم بتفعيل الواقع الثقافي من خلال هذه البرامج. واضاف : لم اكن راضيا تماما عن البرامج الثقافية، ولكنني لا اقول أن جميعها سيء، ولكن هذه البرامج التي تصنع حدثا ثقافيا قليلة، لذلك انا اتمنى ان تكون البرامج الثقافية هكذا، لا ان تذهب الى امسية او جلسة وتتابعها، هذا من الممكن ان يكون خبرا في الصفحات الاخيرة، وللاسف الشديد يبدو ان المساحة الصغيرة للبرامج الثقافية في القنوات الكبيرة وعدم كفاءة بعض العاملين اعطتنا هذه النتائج غير المقبولة، ونتمنى ان تتطور اكثر وتدرك هذه الحقيقة.