في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، دخلت روسيا الحرب ضد اليابان، واحتلت أربع جزر تقع في أقصى شمال الأرخبيل الياباني . ولاتزال اليابان تطالب باستعادة هذه الجزر التي تطلق عليها اسم "المناطق الشمالية"، في حين تصر روسيا على الاحتفاظ بالسيادة على هذه الجزر التي تسميها "جزر الكوريل الجنوبية" . ولايزال هذا النزاع يحول دون إبرام معاهدة سلام تنهي رسمياً الحرب العالمية الثانية بين البلدين . وقد كتب المحلل المتخصص في شؤون الأمن والدفاع في منطقة آسيا، الهادي بركشاير ميلر، مقالاً عن آخر تطورات هذا النزاع في موقع "ذي دبلومات"، جاء فيه: في أوائل يناير/ كانون الثاني، ظهر رئيس الوزراء الياباني السابق يوشيرو موري على التلفزيون الرسمي، ورسم على خريطة خطاً يفصل بين اليابانوروسيا . وامتد خط موري إلى الشمال مباشرة من ثلاثٍ من الجزر المتنازع عليها، ولكنه لم يشمل - عمداً - الجزيرة الرابعة والأكبر التي أبقاها الخط ضمن الأراضي الروسية . وكان ذلك مؤشراً إلى رغبة موري في التوصل إلى حل وسط مع روسيا . وبرر موري هذا التنازل بأنه "مقاربة واقعية" لحل هذا النزاع الإقليمي المستمر منذ وقت طويل بين البلدين . على مر السنين، كان كلا الجانبين يقوم بمحاولات دبلوماسية متكررة لتحديد من يملك السيادة القانونية على الجزر . ولسوء الحظ، لايزال الجانبان على خلاف، وهما يتمسكان بحزم بمواقف راسخة، ولكن شديدة التعقيد نتيجة لسلسلة معاهدات تاريخية تعود بدايتها إلى العام 1855 . وتستند طوكيو في مطالبتها بملكية الجزر إلى حجة تقول إن السيادة على "المناطق الشمالية"، (التي تسميها موسكو "جزر الكوريل الجنوبية)، لم تكن يوماً مسألة مختلفاً فيها، وإن الجزر الأربع موضوع النزاع، كانت جزءاً من اليابان منذ أوائل القرن التاسع عشر . يؤكد ذلك، حسب اليابان، إبرام سلسلة معاهدات، خصوصاً منها معاهدة شيمودا عام ،1855 ومعاهدة بورتسماوث التي أبرمت عام 1905 مع نهاية الحرب الروسية - اليابانية . من جهتها، لا تعير روسيا اهتماماً يذكر لمطالبة اليابان بالجزر، وتشير بدلاً من ذلك إلى عدد من المعاهدات الدولية، من ضمنها اتفاق مالطا (1945) وإعلان بوتسدام (1945)، التي تثبت، كما تقول، سيادتها على الجزر . وتشدد روسيا أيضاً على أن معاهدة سان فرانسيسكو عام 1951 تشكل دليلاً قانونياً على أن اليابان اعترفت بسيادة روسيا على الجزر، وهذا ادعاء تنفيه طوكيو بشدة . وبعد أن عرض موري اقتراحه وخريطته، سارعت إدارة رئيس الوزراء الجديد شينزو آبي إلى لوم موري على تصريحاته، وأصرت على أن اليابان تتمسك بسياستها الرسمية التي تطالب باستعادة الجزر الأربع جميعاً . وشدد سكرتير مجلس الوزراء يوشيهيدي سوغا على ذلك بقوله بلهجة حازمة، إن "الحكومة اليابانية ستواصل بصورة ثابتة سياستها الأساسية، وهي التأكيد أن الجزر الأربع ملك لليابان، ثم تعقد بعد ذلك معاهدة سلام مع روسيا . وعندئذٍ يمكن أن نكون مرنين بشأن توقيت إعادة تلك الجزر فعلياً" إلى اليابان . غير أن طوكيو لم تصبَّ ماء بارداً على تسوية النزاع، وقد وافقت على إيفاد موري الذي تجمعه علاقة قوية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى موسكو في أوائل فبراير/شباط الجاري لمحاولة إعادة إطلاق المفاوضات . وأفادت تقارير صحفية أيضاً، أن آبي يأمل بالذهاب إلى موسكو في الربيع المقبل، وأنه ينوي تحقيق تقدم ملموس بشأن حل النزاع . وللأسف، سبق أن شهدنا مثل هذا السيناريو من قبل، وكانت أبرز محاولة هي تلك التي قام بها في العام 1998 رئيس الوزراء الياباني، آنذاك، ريوتارو هاشيموتو الذي سعى إلى الاستفادة من صداقته الشخصية مع الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين من أجل عقد صفقة كبرى . وهكذا اقترحت طوكيو أن يرسم البلدان حدودهما على أساس أن تكون "المناطق الشمالية" ضمن الأراضي اليابانية، وفي المقابل، وعد هاشيموتو يلتسين بأن اليابان ستقبل استمرار الإدارة الروسية، مع تنمية اقتصادية مشتركة للجزر، كما وعد هاشيموتو بأن اليابان ستوقع معاهدة سلام إذا وافق يلتسين على الاقتراح . وبكلمات أخرى، فإن ما عرضه هاشيموتو عملياً هو تأجيل السيادة الفعلية مقابل اعتراف قانوني، غير أن هذه المناورة فشلت، إذ إن روسيا رفضت الاقتراح . غير أن المشهد الجيو سياسي في شمال شرقي آسيا تغير جذرياً منذ ،1998 وتسوية النزاع مع روسيا على الجزر لم تعد أولوية بالنسبة إلى اليابان . وبينما يدور نقاش حول تدعيم القوة الأمريكية في منطقة آسيا - الهادي، أخذ بوتين يفكر هو أيضاً في استراتيجية "انعطاف نحو آسيا" روسية . وفي الواقع، كانت روسيا تؤكد دائماً إرثها التاريخي كقوة في منطقة الهادي . ومن جهتها، واجهت اليابان في الأشهر الأخيرة تحديات قوية من جانب الصين، وكوريا الجنوبية، وروسيا بشأن النزاعات على ملكية جزر، وفي الوقت ذاته كانت الصين تتشدّد أكثر فأكثر في سياسة أمنية تؤكد وجودها في المنطقة . وهذا أوجد بيئة ملأى بتحديات يتعين على كل من روسياواليابان مواجهتها . وفي اللحظة الراهنة، يقف كلا البلدين أمام مستقبل غامض، في وقت يتحول شمال شرقي آسيا أكثر فأكثر إلى المنطقة الأكثر أهمية استراتيجياً في العالم . ونمو الصين السريع يضع روسياواليابان أمام تحديات وفرص في آن! إذ إن كلا البلدين لديه استثمارات كبيرة في الصين، ويعتمد على النفاذ - ولو بصورة محدودة - إلى السوق الصيني، وبرغم ذلك، تدرك كل من روسياواليابان تماماً أن قارة آسيوية تتمحور حول الصين لن تكون في مصلحتهما .