أضحت الآن التقويمات الرصينة التي سبق أن قامت بها وكالة التصنيف الائتماني الأميركية ستاندرد آند بورز لبعض الاستثمارات ذات الصلة بالرهون العقارية، والتي تم تسليمها لزملاء في مذكرة سرية في كانون الأول/ ديسمبر عام 2006، جزءًا من مجموعة مهمة من الوثائق ورسائل البريد الالكتروني الداخلية التي خرجت للنور، في سياق دعوى قضائية فيدرالية ضد الوكالة التي تعتبر الأكبر في الولاياتالمتحدة. جاءت تلك المراسلات، التي خرجت للعلن في وثائق المحكمة في وقت متأخر من أول أمس، لتلقي الضوء على الأعمال الداخلية لمؤسسة، قالت عنها وزارة العدل إنها احتالت لتضخيم تصنيفات ائتمانية، وهو ما جاء بتداعيات وخيمة بالنسبة إلى الاقتصاد بكامله. يبدو أن التوترات قد تصاعدت عبر سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني في داخل مقر الشركة الرئيس الموجود في مانهاتن السفلي، في الوقت الذي تعلن فيه على الملأ أن تصنيفاتها كانت سليمة، حتى في الوقت الذي تعرّضت فيه قروض المنازل التي تجمعت إلى سندات مدعومة بالرهن العقاري لحالة من التهاوي بمعدلات متسارعة. فيما قال مسؤولو ستاندرد آند بورز إن المحققين راوغوا رسائل البريد الإلكتروني، وأنهم كمؤسسة سيدافعون بكل قوة عن أنفسهم في مواجهة تلك المزاعم التي لا مبرر لها. أظهرت الوثائق صورة لبعض المسؤولين وهم يضغطون من أجل تخفيف نماذج تصنيف الشركة على أمل الحفاظ على الأرباح وحصتها في السوق، في الوقت الذي عبّر فيه آخرون عن بالغ قلقهم بشأن الأداء الضعيف للسندات، وما يعتبرونه تخفيضًا للمعايير. وكان وزير العدل الأميركي، إريك هولدر، إلى جانب ممثلين من النيابة العامة في 16 ولاية، قد كشفوا عن القضية يوم أمس في واشنطن، متهمين ستاندرد آند بورز والشركة الأم، ماكغرو هيل، بدعمهما عن قصد تصنيفات استثمارات الرهون العقارية المترنحة وتمهيدها للتعرّض لانهيار مفاجئ وقت حدوث الأزمة المالية. وتسعى الحكومة إلى فرض عقوبات قيمتها 5 مليارات دولار لتغطية خسائر تعرّض لها مستثمرون، كصناديق المعاشات الحكومية والبنوك المؤمّن عليها اتحادياً والاتحادات الائتمانية. وقال هولدر في هذا الصدد "يعتبر الإجراء الذي أعلنّا عنه اليوم خطوة مهمة على طريق الجهود التي تبذلها الإدارة الأميركية في الوقت الراهن للتحقيق في التصرفات التي يعتقد أنها استمرت حتى وقت حدوث أسوأ أزمة اقتصادية في التاريخ الحديث". وأضاف نيل باروفسكي، وهو محقق فيدرالي سابق عمل كمفتش عام خاص لدى وزارة الخزانة الأميركية في الفترة من 2008 حتى 2011، "إن ثبتت الحقائق الحالية، فإن ذلك سيبدو بالتأكيد وكأن الوكالة قد قامت عن عمد بإعداد نماذجها من أجل جعل التصنيفات أعلى من القيمة التي يجب أن تكون عليها، في خرق لمعايير وسياسات الشركة". تابع باروفسكي حديثه بالقول "وما لا نعلمه حتى الآن هو ما يتعلق بطبيعة الأشياء الأخرى التي قد يتم الإفصاح عنها. فقد تحتوي الوثائق الداخلية أيضاً على أدلة تبرئ الوكالة". إلى ذلك، أشارت وكالة "بلومبيرغ" للأخبار الاقتصادية والبيانات المالية عبر شبكة الإنترنت إلى أن تلك الدعوى المرفوعة من قبل الحكومة الأميركية ضد ستاندرد آند بورز تزيد الضغوط لتسريع وتيرة المنافسة في صناعة التصنيفات، في الوقت الذي تبنت فيه الحكومة نفسها مجموعة قواعد تركت الأعمال خاضعة لهيمنة الشركات نفسها التي أثارت درجاتها المعيبة أسوأ أزمة مالية منذ حدوث الكساد العظيم. من غير المحتمل أن تغير الدعوى القضائية العلاقة بين شركات التصنيف الائتماني الثلاث (ستاندر آند بورز، موديز، فيتش) لأن قانونا تم تدشينه عام 2006 بهدف فتح المجال أمام داخلين جدد قد عمل بدلاَ من ذلك على عزل تلك الشركات الثلاث. وقال لورنس وايت أستاذ الاقتصاد لدى كلية ليونارد ستيرن لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك "عمل ذلك القانون على تثبيط المداخل وعلى تثبيط الأفكار الجديدة والطرق الجديدة الخاصة بفعل الأشياء. ومن المفارقات أنه عزز وضعية الشركات الثلاث الكبرى". فيما رفضت جوديث بيرنز، المتحدثة باسم هيئة الأوراق المالية في واشنطن، التي تشرف على الطلبات الخاصة بشركات التصنيف، أن تدلي بأية تعليقات خاصة بهذا الموضوع. وبحسب ما ورد في الدعوى التي تم رفعها في الرابع من الشهر الجاري، فإن ستاندرد آند بورز قد قدمت بشكل خاطئ للمستثمرين أن تصنيفاتها كانت موضوعية ومستقلة وغير متأثرة بأي تضارب مصالح. وأوضح بيتر أبيرت، وهو محلل لدى بايبر جافراي آند كو في سان فرانسيسكو، أن "خندقاً تنافسياً" حول الشركات الثلاث الكبرى لم يسفر بالفعل عن أي تغيير في حصتهم السوقية في آخر ستة أعوام. وقال بيل لاركين، مدير متخصص في أموال الدخول الثابتة، إن معظم المستثمرين المتطورين لم يعودوا يستعينون بالتصنيفات الائتمانية لتحديد ما الذي يمكنهم أن يشتروه من سندات. بينما لا يزال يرتكز مشترو السندات من الأفراد على الدرجات، وأنه إذا أخبرتهم أن تصنيف ثمة شيء هو AAA اليوم، فإن ذلك يبدو وكأنه علامة تجارية. هذا وسبق للملياردير المعروف وارين بافيت أن قال في 2010 إن بمقدور وكالتي موديز وستاندرد آند بورز رفع الأسعار لأن الوكالتين عبارة عن "احتكار ثنائي طبيعي".