كان الأسبوع الماضي مترعاً بالأحداث خاصة تلك المتعلقة برفات الملك الإنجليزي ريتشارد الثالث وقيام وزارة العدل الأمريكي بنبش أطنان من رسائل البريد الإلكتروني التي يعود تاريخها لعقد من الزمان، وهي رسائل تخص وكالة "ستاندارد أند بورز" للتصنيف الائتماني . ولم يكن أي منهما يشجع على الابتهاج . ومن الغريب أن نتذكر بلهفة واشتياق تصرفات "ستاندارد أند بورز" ووكالات التصنيف الأخرى في أواسط الألفية الثانية، حيث مارست نشاطها الرامي لإشباع رضا المصارف التي تتطلع للحصول على تصنيف يميز وضع أسهمها المتشابك . ولكن كل ذلك كان يتم في بلد آخر، ولكن كانت التزامات الديون المضمونة قد لفظت أنفاسها . وفي هذه الأيام تتردد المصارف في إقراض زبائن ممتازين، هذا إذا نحينا جانب جهات آخرى . منذ ذلك الحين، شهدنا تمرير عدد كبير من القوانين صممت لجعل وكالات التصنيف الائتماني تستخدم معاييرها وتثني المستثمرين من المبالغة في أخذ تلك المعايير على محمل الجد . ولكن هل نحتاج في الواقع إلى نبش قوانين بقيت غامضة ومدفونة تعود إلى أزمة الادخار والقروض خلال عقد ثمانينات القرن الماضي لتوجيه تهم إلى "ستاندارد أند بورز" في إطار قيود قائمة على أدلة لا ترقى إلى اليقين؟ أعتقد أن الوكالة ستتم تبرأتها من التهم المسندة إليها، فهي نفت عن نفسها التهم، خاصة أن الأدلة ليست دامغة . ولكن الواضح أن حجم تورط وكالات التصنيف جاء خلال موجة ازدهار العقارات، ولم تكن الحوافز قوية تجعلها تتصرف على نحو صحيح . ولا شك في أن المخاطر القانونية يمكن أن تملأ الفراغ بصرف النظر عما إذا كانت تلك الإجراءات جاءت متأخرة . وحتى وقت قريب كانت المخاطر التي واجهتها وكالات التصنيف محدودة، بصرف النظر عن مدى الأداء الضعيف الذي كانت تقوم به، خاصة أنها أقنعت القضاء بأن تصنيفاتها لم تكن سوى وجهات نظر لا غير . وعلى ذلك فهي تتمتع بحماية قانون حرية الكلمة . وليس من قبيل الصدفة أن يتم اختيار "ستاندارد أند بورز"، خاصة أن محاميها الرئيس بلويد أبرامز، هو محام مخضرم متخصص في الشؤون الدستورية ويقع تخصصه على نحو جوهري ضمن حماية التعديل الأول . وتأتي الجدلية على النحو التالي وتتلخص بأنه نظراً لأن وكالات التصنيف الائتماني لا تبرم عقوداً مع مستثمرين السندات، فإن باستطاعتهم أن ينشروا أكبر أو أقل من الآراء من دون أية مسؤولية تجاهها . ولكن قد يخطئون، ويجوز أيضاً أن يكونوا مضللين وربما يمنحون أي مصرف أو شركة تصنيف "تريبل إيه-AAA"، حتى وإن لم يكن ذلك مضموناً . وربما تكون الثغرة هنا أن الوكالات لا تقوم بعمليات تحليل فقط وتصنيف سندات من أجل التعبير الذاتي أو لأنها تجد متعة في ذلك . لكنها تتلقى أموالاً لتحقيق ذلك من خلال مصدري السندات . وفي حالة أسهم العقارات، فإن "ستاندارد أند بورز" كانت تتلقى 750 ألف دولار عن كل التزامات الديون غير المضمونة من المصارف . والجدير أن تصنيف السندات هي تجارة، أما تصنيفات الوكالات فهي عبارة عن آراء تحتوي على قيمة تجارية وتعترف بها المصارف المركزية . وهنا يتساءل جيمس كوكس أستاذ القانون في جامعة ديوك عن الأسباب التي تجعل تلك الوكالات تمنح شيكاً على بياض "كارت بلانش"، وعلى سبيل المثال إذا ذهبت واشتريت سيارة وجاء تاجر السيارات يشهد بأنها جديدة، فهو الذي يتحمل المسؤولية؟ فلماذا يكون هناك فرق بين هذه وتلك؟" . وكلمة حق تقال عن "ستاندارد أند بورز" ووكالات التصنيف الائتماني الأخرى، وهي أن تصنيفاتها كان أداؤها مفيداً في كل الأحوال، والواقع أن الأسهم المدعومة بأصول وأعطتها الوكالة تصنيف "AAA" خلال الفترة ما بين 1983 و،2011 بقي منها 93 في المئة ثابتاً ولم تتخلف منها عن سداد الديون سوى نسبة 1 .0 في المئة . إن هذه الفوضى التي خلقها التصنيف في سوق الأسهم المدعومة بالرهن العقاري في الولاياتالمتحدة كانت حدثاً خارقاً للعادة . ولكن الواقع يؤكد أن الوضع التصنيفي أدى إلى خلق فوضى عارمة . ف"موديز" و"ستاندارد أند بورز" فشلتا في توقع خطورة فقاعة الرهن العقاري أو الانتباه إلى الجودة الضعيفة للقروض غير المضمونة التي تمثلت في الأسهم . وعلى ذلك، فإن المحللين الذين يؤمنون بأنه ينبغي تحديث الوسائل كي تعكس مخاطر أكبر رفضها الرؤساء التنفيذيون الذين لم يرغبوا في خسارة مصادر رزقهم من المصارف التي تسعى دائماً للحصول على تصنيفات تعزز مكانتها . أما أحدث قضية مرفوعة ضد "ستاندارد أند بورز" فهي تتضمن رسائل إلكترونية يشتكي فيها محللون بأن أعمالهم تتعرض للقلقلة أو التجاهل لأنها تتسبب في إضعاف العائدات . وكتب أحد هؤلاء المحللين يقول: "إذا أردنا العمل لتعزيز أعمالنا لترقى إلى مستوى التصنيفات، عندها فإن العمل من منظور الكمية لن يكون له تلك القيمة العالية" . يقول أبرامز إن بضعة رسائل من أصل 20 مليون رسالة إلكترونية لن تعطي رأياً عادلاً للأحداث . ورأى "أنه لا يوجد هناك أي محام يمكنه أن يكتب بعض الوثائق لمصلحة أي زبون، ولكنها لا ترتقى إلى مستوى الغش وسوء التصرف . وفي ذلك تكون الحكومة قد خطت مشواراً غير مستدام" . والجدير أن القضاة سبقوا أن قاموا بتضييق دفاع حرية الكلمة . ويذكر أن أحد القضاة الأستراليين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وصف تصنيف "ستاندارد أند بورز" من بين مشتقين ائتمانيين بأنه "مضلل ومخادع لأنها لم تتوخ العناية المناسبة . وفي قضية أخرى في الولاياتالمتحدة حكم قاض بأن التصنيفات ليست آراء فقط، بل هي أقرب إلى رأي مفضل عن الآخر" . (فايننشال تايمز)