كأي ظاهرة أو حادثة تواجه مجتمعنا المصرى، نجد كل الأصوات تعلو بالشجب والإدانة وتمتلئ القنوات الفضائية بالصراخ ليل نهار، حول المسئول وكيفية التصدى للظاهرة وتتكاثر الأسئلة دون مجيب،وتمر الأيام وتقل التساؤلات حتى تظهر حادثة جديدة تولد نفس الصراخ والعويل القديم. ولكن مع ذلك مازالت هناك أياد تعمل فى صمت بعيدا عن الشو الإعلامى، مكلمين فى مشوارهم يواجهون ظاهرة "التحرش " بشكل إيجابى،هبطوا إلى أرض الواقع وابتعدوا عن منصة اللوم والإدانة ليقدموا مثالًا جيدًا لشباب مثقف واع ،نرى فيه مستقبل هذه البلاد وأملها . التقت البديل مع أحمد المنشاوى المسئول الإعلامى "لحركة بصمة ، لنتعرف منه على طبيعة نشاط الحركة وأهدافها وآخر تلك الفاعليات النى نظمتها بمترو الأنفاق للتوعية ضد التحرش. - ماذا عن حركة "بصمة" ؟ * حركة بصمة هى حركة اجتماعية تطوعية ليس لها توجهات سياسية أو دينية تدعو لمشاركة جمسع الأفراد من مختلف التوجهات والمرجعيات للعمل على بناء المجتمع ومحاولة إيجاد حلول جذرية للقضايا المحورية التى تؤرق المجتمع مثل البطالة وأطفال الشوارع والتحرش الجنسى والتوعية الحقوقية . -ومتى تأسست وماهى أهدافها ؟ * تأسست فى يوليو 2012 ،حيث فكرنا كفريق للحركة كرد فعل على الصراعات السياسية السائدة أن نشكل تجمعًا شبابيًا ،يأخذ شكل الكيان الاجتماعى التطوعى ويتجرد كل من ينتمى إلى هذا الكيان من أفراد من انتماءاته السياسية . وكان الهدف الأول من هذا الكيان هو حل قضايا المجتمع، وبالفعل بدأنا بالعمل على ملف التحرش الجنسى لأننا شعرنا بالمشكلة، حتى إنه وقتها كان العديد من حالات التحرش الجماعى فى ميدان التحرير وغيره ،وهذا مادفعنا للتحرك لأن المشكلة أصبحت تتفاقم إلى أن وصلت لما شاهدناه فى الذكرى الثانية للثورة إلى اعتداء جنسى واغتصاب فى وضح النهار . - وماهى خطة العمل التى اعتمدت عليها "بصمة " فى مواجهة التحرش؟ * خطة العمل التى وضعتها الحركة لمواجهة هذه المشكلة، قال لقد قمنا بالبدء فى مراجعة كل الإحصائيات الموثقة عن التحرش الجنسى فى مصر ،وبالفعل كانت صدمة لنا لما رصدناه من أرقام مخيفة ومرعبة ،حيث وصلت النسبة إلى 83% من النساء يتعرضن للتحرش الجنسى ،و 20% منهم منتقبات وفقًا لإحصائية 2008 صدرت عن المجلس القومى للمرأة . - ماهى الأسباب التى توصلتهم إليها وراء حدوث هذه الظاهرة؟ * فى الحقيقة بناء على الإحصائيات التى قمنا بدراستها توصلنا لوجود عده محاور تترتب عليها وقوع حالات التحرش أهمها ؛ انهيار المنظومة الأخلاقية والتعليمية وغياب القيم والتقاليد بغياب الرادع المجتمعى مما شجع المجرمين على استمرار ممارساتهم بل ونشأة جيل جديد يتخذهم قدوة ويقلد سلوكهم الاجرامى، بالإضافة إلى تزعزع المنظومة الأمنية وعدم قدرتها على استيعاب الموقف وغياب الكوادرالمؤهلة للتعامل مع جرائم العنف الجنسى . وهل ترى أن غياب وجود قانون لتجريم التحرش حافز لانتشار الظاهرة ؟ * بالفعل هناك قصوربالمنظومة القضائية فى التعامل مع هذا النوع من القضايا تتمثل فى الإجراءات الروتينية المستحيلة التنفيذ لاثبات حالة التحرش والتى تلزم الفتاة التى تعرضت للتحرش بان تقبض على المتحرش واثنين من الشهود على الواقعة وتقوم بتسليمهم للقسم لتحرير محضر ضدهم ،كما يعانى قانون العقوبات الحالى من ثغرات تمكن المجرم من الإفلات من العقاب حيث إن نص القانون لايوصف جريمة التحرش الجنسى توصيفًا دقيقًا ولا يقننها وإنما يستند الى جرائم هتك العرض وخدش الحياء . وهل تعفى المجتمع وقيمه من المسئولية أيضًا ؟ *بالطبع لا، فالمجتمع المصرى يعانى من نقص حاد فى التوعية الحقوقية عن المرأة منذ الصغر، بل توجه تشويه حقيقى لصورتها ولنوعها،ب اعتبارها أداة لإرضار رغبات الرجل فى مجتمع ذكورى آيل للسقوط حال استمراره على هذا الوضع . -وكيف تواجه "بصمة " هذه الأسباب الرئيسية كما طرحتها والتى أدت لتفاقم ظاهرة التحرش ؟ * من أجل الوصول لحلول جذرية ونتائج فعالة ،تأكدنا كفريق عمل بصمة ضرورة ان نقسم عملنا إلى شقين تبذل الجهود نحوهما بشكل متواز ،فالأول هو التوعية عن طريق التحاور مع البنات ومحاولة اقناعهن بالتمسك بحقوقهن والدفاع عنها، وعدم السكوت على هذه الجريمة، لأنها عن طريق تمسكها بحقها فهى لا تدافع عن نفسها فقط ،بل تحمى حقوق فتاة أخرى من التعرض لذلك الاذى ،والحوار أيضا مع الرجال فى الانتفاض لنصرة المرأة ومساعدتها فى حماية حقوقها، ومن ثم تطبيق مفهوم الردع الاجتماعى . أما الشق الثانى هو الدوريات الأمنية، لمنع حالات تحرش قبل حدوثها ومساندة الشرطة فى اداء عملها . - وما طبيعى عمل "الدوريات الأمنية" ؟ * هى دوريات أمنية فى محطات المترو، نقوم بها من خلال التنسيق مع الهيئات المسئولة فى مترو الانفاق، ونشارك فيها من خلال نزول اعداد منظمة من المتطوعين بحركة بصمة فى تشكيلات تتولى مهمة منع حالات التحرش داخل المترو، واشتركت الدوريات الأمنية فى فعاليتين أحدهما بالمترو والاخرى بميدان طلعت حرب . - وماذا عن مشاركة بصمة فى منع التحرش بالأعياد ؟ * لقد حققنا نتائج مثمرة عندما نزلت الدوريات الأمنية لميدان طلعت حرب،فى أيام عيد الأضحى الماضى بالتنسيق مع حملة "قوة ضد التحرش والاعتداء الجنسى الجماعى،لمدة 6ساعات يوميًا ،وكان الهدف الأساسى من الفعالية هو إلا يحدث تحرش من الأساس وليس الإمساك بالمتحرش بعد القيام بفعلته ،ونجحنا فى منع مايقرب من 45 حالة تحرش فردى و9 حالات تحرش جماعى ،وتحرير 5 محاضر رسمية ضد متحرشين ،حتى وصلنا الى عدم تسجيل أى حالة تحرش واحدة رابع يوم العيد . - وما النتائج التى توصلت لها هذه الدوريات الأمنية بمترو الانفاق ؟ * استطاع فريق عمل "بصمة" من تحقيق نتائج إيجابية جدًا ،منها القبض على أكثر من 20 حالة تحرش ،منهم حالتان وصلت إلى تحرير محضرين رسميين ،توفير الإحساس للركاب بالأمان فضلًا عن التفاعل الإيجابى الذى لاقيناه أثناء الفاعلية ،بل انضمام متطوعين من الركاب للحركة ،واستطعنا أن نلفت أنظار المجتمع لظاهرة التحرش ،وتحقيق المشاركة الإيجابية الفعالة لأكثر من 100 من شباب مصر فى عمل تطوعى بحت . -وماذا عن حملة التوعية الأخيرة التى كانت فى مترو الأنفاق ؟ * الحملة بدات منذ 23 ديسمبر الماضى على مدار 7 أسابيع حتى الآن، لتكون حملة توعية موسعة لركاب مترو الانفاق ضد جريمة التحرش الجنسى عن طريق الحوارات البناءة وتوزيع منشورات التوعية التى تحتوى على إحصائيات موثقة تظهر حجم المشكلة وخطورتها ،ذلك من خلال التعاون مع شرطة مترو الانفاق والشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو . -هل واجهتم مشكلة فى الحوار مع ركاب المترو؟ * على العكس ،لقد استطعنا ان ننتهى من الفاعلية السادسة والأخيرة لحملة بصمة التوعية ، وتوصلنا الى نتائج إيجابية مبشرة بنجاح أسلوب الحوار والخطاب التوعوي السليم ، وتم توزيع 1000 منشور توعوي ضد التحرش الجنسي والذي يحتوي على إحصاءات موثقة ورسالة توعوية توصف المشكلة وتعرض الحل في الإيجابية والردع المجتمعي بتوجيه رسائل لجميع أفراد المجتمع بما يقتضي نبذ جريمة التحرش الجنسي ورفض تكرارها وعدم السكوت عليها. كما أنه تم التحاور مع ما يقارب 900 راكب من رواد المحطة وأسفر الحوار عن نتائج جيدة تعبر عن تقبل المجتمع بنسبة كبيرة لعملية تغيير الثقافة من خلال الخطاب التوعوي وأن هناك لغة وأرضية مشتركة خالية من العنف والتعصب نستطيع جميعًا أن نتواصل بها دون إقصاء لفصيل أو غيره.