انطلاقاً من تعاليم الإسلام في الحفاظ على حقوق الإنسان أينما كان، سواء كان حراً طليقاً أو سجنياً، توصلت إحدى الطالبات المواطنات في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا إلى تصميم داخلي لمشروع سجن، يخرج منه النزيل، إنساناً آخر سوياً يساعد على تكوين نفسه من جديد ويفتح صفحة جديدة . ومن ضمن مشاريع تخصص الهندسة قسم التصميم الداخلي التي غالباً ما يختار فيها الطالبات تصميم حدائق ومكتبات وصالونات أو مراكز صحية، اختارت مها سلطان الهدية الشحي، من رأس الخيمة، تصميم سجن مركزي، وهي أول طالبة من بين طلبة الجامعة منذ نشأتها، حسب أستاذتها، تختار تصميم سجن وتتعمق في تفاصيله لتحصل على درجة امتياز في مشروعها لاستيفائه لجميع المعايير الهندسية للتصميم الداخلي مع تطبيق أرقى اشتراطات حقوق الإنسان . تقول الشحي: انطلقت من معلومة أفادتني بأن نسبة المساجين في الوطن العربي الذين يكررون سلوكياتهم ويعودون إلى السجن تصل إلى 60%، وهي نسبة مرتفعة نسبياً مقارنة بعودة المساجين وتكرار تصرفاتهم في العالم الغربي، ما جعلها تتبنى فكرة تصميم سجن تركز بتصميمه على الألوان والأشكال الهندسية التي تغير نفسية السجين وتجعله إنساناً آخر حين يخرج من السجن ليعود إلى الحياة أكثر إيجابية ونشاطاً وحباً بالاستقامة . وتضيف: انطلاقاً من تعاليم ديننا الإسلامي، ودستور الدولة بشأن حقوق السجين، وفرت له من خلال المشروع، كل ما يجعله انساناً سوياً حين يخرج من السجن، وفي ضوء الاتفاقية التي وقعتها الدولة مع عدد من الدول لترحيل السجناء الوافدين ليمضوا فترة سجنهم داخل دولهم، نستطيع أن نركز على برامجنا وهندسة السجن لنعيد برمجة سجنائنا المواطنين، كما أن أحدث البيانات من الجهات المختصة بالسجون أظهرت أن السجين الواحد يكلف الدولة 1500 درهم يومياً، وهي تكلفة باهظة نوعاً ما، ما يستدعي التركيز على برامج العلاج وتقليل نسبة السجناء، ومن السهل أن نحول السجن إلى مركز لإعادة تأهيل ناجح من خلال الهندسة والتصميم الداخلي، إضافة إلى البرامج الأخرى التي تدعم إعادة التأهيل . لم تكن المكتبة والحضانة وفتحات التهوية والسجن الانفرادي ومكونات الأثاث ونوعيته هي كل ما ركزت عليه المهندسة الشابة مها الشحي، بل صممت وخططت حتى ألوان الجدران والممرات، وفق ما درسته في تخصصها عن تأثير الألوان وأشكالها في نفسية الإنسان، إذ تقول وضع ألوان فاتحة ومشرقة على شكل خطوط طويلة، في الممرات على وجه الخصوص المتجهة إلى غرف استقبال الزوار تعكس على نفسية السجين حب الاستقامة والتصرفات السوية على المدى البعيد . وفي كل خطوة أوضحت مها الشحي ذات الثلاثة والعشرين ربيعاً، مكونات الغرفة إذ حرصت على ألا تحتوي على أثاث حاد الزوايا، وأدخلت في هندستها للسجن، أدوات وآلات إلكترونية تريح السجين وإدارة السجن في الوقت نفسه، اذ أدخلت في تصميها الأبواب الإلكترونية التي تعمل من غرفة التحكم، والأسورة الإلكترونية المبرمجة على وجود كل سجين، ولا يستطيع فكها من رسغه، وفي الوقت نفسه هي غير معيقة ومريحة . وقالت "بحثت عن أسرّة ذات مواد لا تحترق واخترت أثاثاً متعدد الاستخدمات إذ يمكن أن نستخدم رفوف الكتب كأداة مساعدة لتمارين الرياضة . وأضافت: من خلال دراستي اتضح أن نسبة النساء في سجون الدولة تصل إلى 11% وهي نسبة عالية جداً مقارنة ببقية الدول المتقدمة، وهو ما جعلني أركز على كيفية جعل النساء وخاصة الأمهات، يُعِدْنَ برمجة تفكيرهن ويَعُدن إلى الحياة الطبيعية بكل إنتاجية، فاخترت عدة مجالات للعمل لتكون المرأة معتمدة على نفسها ولتساعد حتى أسرتها خارج السجن إذا لم يكن لها معيل غيرها، فوفرت في مشروعي أدوات لعدة مهن يمكن أن تمتهنها المرأة . وصممت الشحي السجن من 7 أدوار ويستوعب نحو 1000 سجين، وعنابر السجناء تتكون من دورين، في الدور الأول للجلسات والثاني المرتبط بالأول بسلالم يتكون من سرائر النوم . وفي الإدارة، يوجد أيضاً غرف للمحلل النفسي وآخر للمحلل الاجتماعي وطبيب عام وطبيب أسنان، وقاعة للمحكمة، مرتبط بقاعة المحكمة الأساسية بكاميرات وبث مباشر، وهو ما كان يوجد في سجون معينة في ألمانيا وسجن في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبريطانيا وآخر في السويد، والتي تطبق شروط حقوق الإنسان بكل احترافية . وخصصت للإدارة والمكاتب دورين وللموقوفين المرحلين والمحكومين دورين، والسجن الانفرادي في الدور قبل الأخير، والدور الأخير للأنشطة ومغطى جزء كبير منه بالزجاج الآمن لدخول أشعة الشمس والاستفادة منها .