نجح أحد رجال الدين في مدينة تلكلخ السورية الصغيرة في إبرام اتفاق هدنة بين المعارضة المسلحة والقوات الحكومية والمليشيات الموالية لها، في خطوة كانت لافتة في ظل احتدام الصراع في بقية المدن السورية. القاهرة: في حدث يعتبر استثنائياً، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في خضم الصراع الوحشي المحتدم في سوريا منذ ما يقرب من عامين، نجح أحد رجال الدين في مدينة تلكلخ ( غرب سوريا ) في تحقيق هدنة بين المعارضين المسلحين والميليشيات الموالية للحكومة، الأمر الذي أعاد الهدوء لتلك المنطقة بعد قرابة عامين من العنف. وقالت صحيفة الغارديان البريطانية، إن المصالحة بدأت تعود الآن مع استمرار تزايد أعداد القتلى وعدم وجود بوادر تبشر بقرب انتهاء الصراع. وهي الهدنة، التي جاءت بعد مخاض صعب، وبعد جهود مضنية من جانب محمد حبيب فندي، والتي لن يحمل بموجبها قائد المعارضة المسلحة في المدينة الصغيرة، أبو عدي، أي أسلحة، هو وأي من رجاله المسلحين، وذلك في الوقت الذي قام فيه الجيش السوري من جانبه بوقف حملة قذائف الهاون التي ترعب الناس هناك. وقالت الصحيفة إن الشخص الذي وقف وراء هذا الجهد الاستثنائي هو رجل الدين حبيب، الذي تكاد لا تذكره وسائل الإعلام الرسمية في سوريا، والذي يفضل أن يتوارى بعيداً عن الأضواء، رغم أنه يبدو بطلاً نادراً في الصراع الوحشي المشتعل بالبلاد. حيث يترأس عشيرة سنية في مدينة الرقة التي تقع على نهر الفرات في شمال شرق سوريا، ويواظب باستمرار على أداء خطبة الجمعة، غير أن نشاطه السياسي قد بدأ بعد مشاركته في إحدى الوفود التي بدأ يوجه الرئيس بشار الأسد الدعوة إليها كي تتوجه إلى دمشق بعد فترة قصيرة من بدء الانتفاضة في العام 2011. وكان يحاول النظام بتلك الدعوات أن يبحث المظالم وأن ينظر ما إن كانت هناك إمكانية لاستخدام "المصالحة" من جانب قادة القبائل والعشائر كوسيلة لإنهاء التظاهرات المتزايدة بالشارع. لكن مع انتقال المحتجين من التظاهرات السلمية إلى المقاومة المسلحة في أعقاب حملات الاعتقال الحكومية الكبرى التي بدأت عام 2011، إلى جانب الاستخدام المفرط للقوة العام الماضي، لم تحقق المصالحة تقدماَ يذكر. وتسببت عدة عوامل منها وصول جهاديين أجانب واتشاح أجزاء كبيرة من المعارضة بالطابع الإسلامي ونشوب صدامات طائفية في حدوث توترات جديدة وفي زيادة صعوبة إمكانية الوصول لحلول وسط أو تسويات لتلك الأوضاع المتأزمة. لكن مع استمرار سقوط ضحايا بأعداد كبيرة، وعدم وجود ما يدل على قرب انتهاء الصراع، بدأت تعود المساعي الرامية للمصالحة إلى الواجهة من جديد، خاصة وأن كآبة المشهد العام هناك بدأت توحي بأن المصالحة هي بديل أفضل من الحرب المتواصلة. ومضت الغارديان تنقل عن حبيب قوله " أنا رجل متدين، ولدي فكرة، ربما تكون مجنونة، وهي المتعلقة بالقيادة عن طريق الحب". وأوضحت الصحيفة أن الجهود التي يبذلها حبيب قد أتت بأفضل نتائجها حتى الآن في تلكلخ. وبينما أعرب محافظ حمص عن تأييده التام للمساعي التي يبذلها حبيب لوقف إطلاق النار، فإن الجيش مازال يحرص على التزام الحذر هناك. وقال القائد المحلي ( الذي رفض الكشف عن هويته ) إن هناك مخاطر شديدة تمنع حبيب ومن معه من عبور الخط الأمامي. وحين أصر حبيب حثه هذا القائد وهو برتبة عقيد أن يخبر الباقين بأن قائد الثوار لا يريد أن تُجرَى معه مقابلة وأنه لا جدوى من الذهاب. كما أكد هذا العقيد أن 90 % من سكان المحافظة يدعمون الأسد، وأن الحكومة البريطانية أخطأت بدعمها أصوليين جهاديين في سوريا، لأنهم سينقلبون على بريطانيا في النهاية. فيما عاد حبيب ليوضح أن المصالحة التي تمت في تلكلخ لم تحدث إلا بعد المرور بعدة مراحل، أولها وقف إطلاق النار. وثانيها تخلي الثوار، وكلهم سنة، عن حمل السلاح في الدوريات، وابتعاد الميليشيات الموالية للحكومة، وهم شبيحة علويين، عن القرى السنية. وأخيراً قيام الثوار بتسليم أسلحتهم وانسحاب الجيش من المنطقة. هذا بدأت الأوضاع تعود بالفعل إلى طبيعتها في تلكلخ، رغم مشاهد الدمار التي بدت واضحة في بعض البنايات والشوارع هناك، ولا يوجد ما يدل على أن المنطقة تحت الحصار، كما أن المحلات تبيع الفواكه والخضروات، والسيدات والأطفال يخرجون للشراء بدون أي مشاعر خوف تبدو عليهم. وقال أبو عدي " كنت أعمل في مجال العقارات بالسعودية، لكني عدت عندما بدأت الثورة. وأنا لست رجلاً متديناً. ولحيتي موجودة لعدم وجود وقت لحلاقتها. ولا يوجد معنا مقاتلين أجانب. فكلنا من سكان المنطقة. وهذا جزء سني من المدينة ونحن جميعنا سنة. ورغم أننا وافقنا على وقف إطلاق النار، إلا أننا مازلنا غير مستعدين لوضع ثقتنا بالحكومة، ويكفي أنه قد تم خرق وقف إطلاق النار قبل أيام، حيث أصيب محامي بطلق في الرقبة بينما كان يطعم حمامه على سطح منزله".