| أنوار مرزوق الجويسري | البحث في العلاقات بين الأشياء ديدن المتأملين في الحياة، والنظر في الأسباب والنتائج والعوامل سبيل الباحثين عن الحقائق الغائبة والسنن الخلقية، فإيماننا بارتباط الأشياء مع بعضها وتأثّرها ببعضها يقوي لدينا دافع البحث وحس الاستنتاج، ومما يدفعنا للتأمل أكثر والنظر للأحداث بعمق ذلك الشعور الرائع الذي ينتابنا لحظة اكتشاف علاقة ما أو استخلاص نتيجة نحتاج لفهمها وعواملها. إن أكثر ما يؤثّر على استقرار حياتنا كأفراد وعلى كفاءتنا في أداء أدوارنا المتعددة هما العمل والعلاقات، وعلاقة العمل بالعلاقات مؤثّر أكبر على أدائنا لكل واحد منهما على حدة، كما أن سلم الأولويات القيمية الذي يبدأ بالدين ثم الصحة ثم العلاقات يليها العمل وأخيراً المال لا يُعد سلماً ثابتاً لدى الكل، وإن من يعده ثابتاً فلابد أن لا يلتزم به في بعض الحالات والأحيان، ومن هنا ظهر الاختلاف بين أطراف العلاقة الواحدة وظهر التفاوت في تجاوب كل طرف وردود أفعاله، فمن يقدّم قيمة العمل على قيمة العلاقة قد يرتبط بعلاقة مع من يقدّم قيمة العلاقة على قيمة العمل، وذاك راجع لاختلاف الشخصيات والبيئات والتجارب والحاجات. اختلاف الأولويات يؤثّر على طبيعة العلاقة، وتزعزع العلاقة يؤثّر مباشرةً على العمل لدى من يُعطي العلاقة قيمة أعلى في حياته، كما أن ذاك التزعزع يؤثر بطريقة غير مباشرة على من يُقدّم قيمة العمل على قيمة العلاقة، فحتى وإن كانت العلاقة لا تسبق العمل فإنها تظل متواجدة في سلم القيم مهما علت درجة أهميتها أو انخفضت، لذلك كان المتميز في عمله مُقلاً في علاقاته، والمتميز في علاقاته لا يبرز كثيراً في عمله، وفرق بين التميّز والنجاح، فالمتميز يُقدّم أكثر مما يُطلب منه أما الناجح فلا يُؤدي أكثر من واجباته فينجح دون تميّز. لا بد أن نعي أن الحاجة ليست أم الاختراع فحسب، وإنما هي مركّب غاية في الأهمية في حياة الشعوب والأفراد، وسلم القيم السابق ذكره يتصل اتصالاً وثيقاً بحاجاتنا اللحظية والأخرى الممتدة، فما إن تتفاعل الحاجة الشديدة مع ندرة الإمكانات وقلة القدرات حتى تظهر لدى الفرد علامات طمس الشخصية وعلى المجتمع علامات طمس الهوية، وتلك علاقة تعد سبب لما آلت إليه الشعوب العربية بعد الاستعمارات المتتالية، كما أن النتيجة لا بد وأن تكون سبباً لنتيجة أخرى يوماً ما. كما قيل «لكل قاعدة شواذ»، فإن تلك الاستنتاجات تظل اجتهادات فردية ناتجة عن تأمّل وفحص ونظر، قد نُصيب في اجتهاداتنا وقد نُخطئ، والأهم من الاجتهاد هو ما يليه من تصحيح وتصويب ناتج عن المناقشة الصحيحة السوية، فصوبوني وصححوا لي. @anwar1992m [email protected]