| منى فهد عبدالرزاق الوهيب | اهتمت الأمم بالإعلام اهتماما كبيرا، إذ خصصت في الجامعات فروعاً متخصصة بدراسة ذاك العلم، بعد ما أصبح اليوم علماً مستقلاً، له وسائله، ووظائفه، ونظرياته، وأهدافه، وكذلك له تأثير كبير في سلوك الأفراد والجماعات، حيث يوجّه الفرد، ويقود المجتمع نحو أهداف معينة، من خلال التأثير على الرأي العام. لن أتحدث في مقالي هذا عن ماهية الإعلام، أو مفهومه أو نظرياته أو علاقته بالعلوم الأخرى، أو..أو..، سأخص بالحديث من يمتهن هذه المهنة، ويعتلي منبرها وهو ليس مؤهلا لها. في عصرنا الحاضر تكاثفت الأفكار والمعلومات إلى حد كبير، وبانتشار سريع، وكان من النتائج المباشرة لغزارة المعرفة عجز كثير من الناس عن الحكم على صحة الأفكار والمعلومات التي يطّلعون عليها، ويتابعونها من خلال الإعلام، وحتى يحصلوا على شيء من اليقين، فإن الطريق الأقرب والأسهل في تكوين وبناء موقفهم من صحة وصلاحية ما يتلقونه من الإعلام، معرفتهم وثقتهم بصاحب الفكرة أو الرأي من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وكثير من الناس لا يدقق ويفتش بمدى صحة وقبول المعلومات، إنما يركن إلى الصورة الذهنية المنطبعة عن قائلها أو كاتبها. لذا كان من الضروري أن يتحلى الإعلامي ذو الرسالة السامية، بخصائص وصفات أساسية عدة تميزه عن الإعلامي الذي لا يهدف من عمله إلا سبقا إعلاميا لتحقيق أرباح مادية ومعنوية كالشهرة والصيت والسمعة، في البداية لا بد أن يضبط الإعلامي نفسه، ويربيها حسب القواعد الإسلامية، ويهذبها حسب المنظومة الأخلاقية، والمقصود بالتربية هنا.. التربية العقلية، والروحية، والوجدانية، فهي تجمع بين العبادة الحقة والسلوك القويم، وتعنى بالعقيدة الصحيحة، وهذه التربية هي من تدفعه وتحفزه بالاستمرار وعدم التوقف؛ لمواجهة تحديات الواقع، والعمل على إعداد الإنسان للحياة، من خلال توازن سلوكي وعقلي وشعوري. هناك سمات تكميلية عمادية لا بد أن يتصف بها الإعلامي تكون مكملة لجوانب الضبط والتربية والتهذيب، منها على سبيل الذكر لا الحصر.. الإعلامي الناجح هو الذي يجمع في خطابه وكتاباته وأسلوبه بين ثلاث سمات هي: العاطفة والعلم والفكر. وغياب أي منها يجعل خطابه وكلامه غير متوازن، وظيفة العاطفة في خطاب الإعلامي أو كتاباته تولد شيئا من الطاقة في نفوس المتلقين والقارئين وإثارة حماسهم، وتعاطفهم مع الفكرة التي يعرضها. ومهما انحسر المجال الروحي للشخص، ومهما كانت درجة (عقلانيته) عالية فسيظل للخطاب الممزوج بشيء من العاطفة رونقه وتأثيره في نفسه. أما العلم فينبغي أن يكون صلب الرسالة، ويجسد رسالة الإعلامي السامية، فالتركيب العقلي للناس اليوم يميل إلى دفعهم نحو الاستقلال الشخصي، ومحاولة إدراك الحقائق بصفة ذاتية، ولا شيء يحقق ذلك كالمعلومة الصحيحة الموثّقة، الإحصاء هو ملك العلوم اليوم، وله في نفوس الناس مكانة خاصة، ويلحق به الدراسات الموثقة التي تكشف عما هو كائن في المجالات المعرفية المختلفة، فاعتمادها في الأسلوب الإعلامي مطلب ضروري اليوم، ومن العلم ما يحتاج إلى تدعيم (العلم الشرعي)، وتدعيمه بذكر أدلة المسائل والأحكام والآراء التي يطرحها الإعلامي على الناس. أما الفكر في خطاب وكتاب الإعلامي، فإنه أداة يستخدمها في تحليل الظواهر وتعليلها والربط بينها، ويحاول الإعلامي المتميز من خلال نماذجه الفكرية الخاصة بناء عقلية منهجية قادرة على النقد والتجاوز واستشراف المستقبل والفكاك من أسر النمطية والطبيعة والتاريخ، وكشف زغل الإعلام المزيف وتقويم الصور الذهنية المعوجّة التي تتشكل من خلال التزييف والتضليل. ويبقى إعلامنا في الميزان بين الواقع والطموح. [email protected] twitter: @mona_alwohaib