أصر صاحب معمل خياطة في حلب على الاستمرار في العمل رغم الظروف الصعبة التي تمر بها عاصمة سوريا الاقتصادية منذ عامين، حيث أجبر شبان على ترك مدارسهم والانتقال الى العمل. حلب: يجول محمد وسط قرابة 12 شخصا منكبين على ماكينات الخياطة في معمله في حلب، كبرى مدن شمال سوريا والعاصمة الاقتصادية للبلاد الغارقة في نزاع دام منذ عامين، قائلا بفخر "نحن الحلبيون معروفون باننا نعمل، نعمل بجد". في هذا المبنى في حي الشعار (شرق)، يطغى صوت ماكينات الخياطة الكورية الصنع، على اصوات القصف واطلاق الرصاص التي تشهد تراجعا في الفترة الاخيرة. ويعمل الشبان في هذا المعمل بلا كلل، علما ان بعضهم كانوا لا يزالون في المدرسة لدى اندلاع المعارك في المدينة قبل تسعة اشهر. ويقوم هؤلاء حاليا بصنع مريلات للاطفال وقمصان "تي شيرت" للاولاد طبع عليها شعار فريق برشلونة الاسباني لكرة القدم. ويعمل ابراهيم منذ اربع سنوات في هذا المصنع الذي يبيع منتجاته في العراق. ويستخدم هذا الشاب البالغ من العمر 27 سنة، الكومبيوتر ليضع الشعار على خلفية برتقالية اللون، قبل طبعه على السراويل القصيرة للاطفال ذات اللونين الاحمر والازرق. ويقول "اخترنا برشلونة لان الزبائن يريدون ذلك. انا شخصيا لا اشجع اي فريق، انا دائما مع الفائز"، مرفقا عبارته بابتسامة، بينما لا تفارق عيناه ما يعمل عليه. في الازقة والشوارع، يمكن الحديث بكل راحة عن كرة القدم والفرق التي يشجعها الناس. لكن ما ان يطرح موضوع النزاع الذي تتواجه فيه القوات النظامية ومقاتلو المعارضة منذ عامين في كل محافظات سوريا، يعتصم كثيرون بالصمت. ويشرح محمد الذي يبتاع المواد الاولية لمعمله من أحياء يسيطر عليها النظام "لست مع احد. انا مجرد مواطن صغير لا يفهم كل الرهانات السياسية". يضيف "الامر الوحيد الذي الاحظه هو حاليا وجود السلاح في كل الامكنة المحيطة بي. يبعد منزلي عن العمل مسافة عشر دقائق بالسيارة، لكنني لا اعود اليه سوى في عطلة نهاية الاسبوع". ويتابع "زوجتي واولادي الاربعة يبقون بمفردهم لانني اخاف من عبور المسافة". وتشكل الطبيعة التجارية لحلب ودورها التاريخي كمركز اقتصادي لمنطقة الشرق الاوسط قبل بدء النزاع، موضع فخر لسكانها. ويقول محمد الذي يحمل مسبحته في يده، انه لم يقفل معمله سوى لايام قليلة دارت خلالها اعنف المعارك. لكن القصف واصوات الرصاص والخوف دفعت بالعديد من العاملين لديه للهرب. ويوضح هشام (18 عاما) مستذكرا زملاءه الذين انضم العديد منهم إلى صفوف ملايين النازحين في سوريا واللاجئين إلى خارجها، ان "كثيرين فضلوا ترك المنطقة، فيما بقي آخرون. لماذا علي الرحيل؟ الله يدبر". من جهته، يوضح محمد ان "الناس لا يريدون ان يجدوا انفسهم مضطرين للجوء إلى السرقة، لذا من الافضل ان يعملوا لتوفير قوتهم"، متحسرا في الوقت نفسه على الايام التي كان فيها نحو 150 شخص يعملون في مشاغله 24 ساعة يوميا على 24. حاليا، يقتصر العمل على ثماني ساعات يوميا، معتمدا على مولدات كهربائية مرتفعة الكلفة في المدينة التي تعاني من تقنين حاد في التغذية بالتيار الكهربائي. واضافة إلى القصف واعمال العنف، يواجه الاشخاص الذين آثروا البقاء، ارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية. ومن هؤلاء، احمد، وهو والد لطفلين يبلغ من العمر 25 عاما. ويقول "من الصعب العمل في ظل كل الاحداث التي تجري، لكن علي الاهتمام بعائلتي. كل شيء بات اغلى، لكن المسؤولين عن المؤسسة يدفعون لنا اجورا جيدة نتمكن بفضلها من مواجهة كلفة المعيشة". وبحسب محمد، يتقاضى العاملون 3500 ليرة سورية اسبوعيا (نحو 35 دولارا اميركيا). وفي حلب، وصل سعر علبة السجائر إلى 70 ليرة، وكيلو اللحم إلى 800 ليرة، ما يجعل منه امتيازا لا قدرة للكثيرين على التمتع به.