الجرعة الزائدة (Overdose) هو مصطلح يستخدم في حال تعاطي المريض كمية أكبر من الدواء المستخدم أو هو مصطلح يستخدم في حال تعاطي المدمن كمية أكبر من المخدرات التي اعتاد عليها الجسم. في إحدى السنوات السابقة كثرت نسبة الوفيات من الجرعة الزائدة بشكل كبير، وكان السبب في ذلك هو دخول كمية نقية جدا من المخدرات (Pure) الذي لم يعتد عليه ضحايا الإدمان، فالمدمن لم يكن يتعاطى المخدرات فحسب إنما كان يتعاطى معها عظاما مطحونة وطحينة وبودر، وهذا ما يفعله تجار السم، تقليل المخدرات وزيادة السموم الأخرى حتى يجني الأموال ببيع أكثر كمية ممكنة، وهذا ما جعل الكمية النقية تقتل في تلك السنة اعدادا كبيرة من الشباب فعندما يتعود الجسم على نسبة قليلة من المخدرات المخلوطة بالعظام والزجاج المطحون حتما لن يتقبل الجسم الكمية نفسها من المخدرات النقية، وبالتالي تتحول الى جرعة زائدة كفانا الله شر هذا البلاء. من التعريف السابق يتضح بأن مفهوم الجرعة الزائدة هو مصطلح يمكننا استخدامه في الكتابة عن واقع مجتمعنا المدمن! فلا فرق بين مجتمعنا مدمن الفساد ولا بين متعاطي المخدرات إلا باسم التاجر! لقد زرع المجتمع بداخل كل فرد من أفراده فاسدا صغيرا بصورة أو أخرى ولن يقضي على هذا الفاسد الا الثقافة! أجل هذا المصطلح الذي يكرهه مدمن المعارضة قبل مدمن الحكومة! والشواهد على ما أقول كثيرة. في مرحلة بناء الأوطان لا تجامل، لذلك لن أجامل في هذه المرحلة التي فشلنا جميعا في بنائها، وقبل أن تبدأ بالتذمر عزيز القارئ، انظر من حولك وتمعن بحال الوطن والأهم تمعن في أسباب شلل الوطن من أخذ خطوة واحدة فقط اتجاه التقدم ستجد السبب في ادماننا للفساد، وهنا علينا الإيمان بأن حب الذات وتقديم المصلحة الخاصة على العامة كالعمل من اجل كرسي انتخابات او الدفاع المستميت عن الأسماء لا القضايا وغض النظر على تعدي البعض عن القانون وسرقة التغريدات في «تويتر» ما هي الا نوع من أنواع الفساد، فالفساد غير مقصور على سرقة الاموال العامة فقط. ان غالبية الجيل الحالي وجيل آبائه احترفوا ادمان الفساد كما احترفوا الفشل، لذلك نرى دائما الحكومة والمعارضة في رحلة بحث دائم عن شماعة لتعليق خيباتهم عليها ومثل هذه الحكومة الضعيفة التي لا تغير نهجها في العناد لن تفلح في مرحلة البناء، كما أن وجود هذه المعارضة التي تغير اسم مجموعة عملها فقط في كل مرة من دون تغيير الأسماء والعقليات التي قادت للفشل لن تفلح كذلك في عملية البناء، وأيضا وجود شعب غالبيته يجيد الكلام فقط من دون عمل لن تفلح أيضا في مرحلة البناء لأن جميعنا (الحكومة، المعارضة والشعب) مدمنون للفساد بشكل أو آخر! ان الجيل الحالي ما هو الا ضحية لجيل الآباء! فالأجداد حفروا الأرض لزرع العيشة الكريمة للآباء، وللأسف أن جيل الآباء أخذها بسهالة ودمروا الأرض التي من المفترض أن يزرعوها لنا لقطف ثمار الرقي والتنمية والتقدم كما فعل آباؤهم أي اجدادنا! وبكل تأكيد لا أقصد الكل إنما غالبية جيل الآباء، لذلك نحن ضحية جشع غالبيتهم وادمانهم للمصالح ولا حل لهذا الجيل أي جيل الأبناء سوى التضحية! ان الجيل الحالي لم يكن الا حقل تجارب لجيل الآباء من حكومة ومعارضة، فلم نرَ خطة حقيقية لبناء المجتمع منهم، وساذج من سيثق بهم بعد مرور كل تلك السنوات، وما الاصلاح لهذ الجيل الا جرعة زائدة ستؤدي الى تدهور المجتمع وربما القضاء عليه، وهنا لا اقصد الاستسلام لإدمانهم وادماننا، انما أقصد عدم نقل ادماننا للفشل والفساد للجيل القادم والتعلم من واقعنا دون مكابرة، فمصيبة الفاشل ليس بفشله إنما بمكابرته بعدم الفشل وهذا ما نراه اليوم من كل الأطراف دون استثناء! ان الحل بسيط جدا، ولكن يحتاج لإيمان ورؤية وعدم أنانية وحب للجيل القادم، وهو أن يكون هدفنا الرئيسي بناء جيل جديد يقوم بما فشلنا نحن بالقيام به من خلال زرع الثقافات التي يبني عليها مستقبله، وهذا لا يأتي الا من خلال تعليم قوي ومواكب لسرعة تقدم العالم، والأهم من ذلك أن نحدد أهدافا تبنى عليها المناهج والثقافات التي ستقودهم الى ثقافة احترام القانون وتطبيقه وثقافة الاصلاح السياسي الحقيقي من خلال الديموقراطية الحقيقية وثقافة احترام الوقت وثقافة حب تراب الوطن وثقافة اهمية تنويع مصادر الدخل وثقافة المواطنة والواجبات اتجاه الأرض وثقافة القراءة وثقافة الاخلاق! وثقافات كثيرة لا يمكننا حصرها!... هكذا تتم معالجة ادمان الفساد من دون أي جرعة زائدة! وهكذا يتم التخلص من الفاسد المدمن الصغير الذي بداخلك! د ا ئ ر ة م ر ب ع ة : حب الظهور من خلال التسلق على اكتاف الصادقين، والدفاع عن سين من الناس رغم تجاوزاته الصارخة، والفجور بالخصومة ما هي الا وجوه أخرى للإدمان. عمر الطبطبائي @Tabtabaee