كان من المفترض أن يتم إنتاج أكثر من مسلسل ديني هذا العام وتفاءل الكثيرون خاصة أن المسلسلات الدينية عانت من تجاهل جهات الإنتاج الفني لها طوال السنوات الماضية، ولكن فجأة وبدون مقدمات ظهرت العديد من المشكلات المعقدة والتي تسببت في تأجيلها إلى أجل غير مسمى. أولى المسلسلات التي تم إيقاف تصويرها هو مسلسل الملك النمرود الذي يقوم ببطولته الفنان السوري عابد فهد، ويشارك فيه كل من يوسف شعبان، صابرين، فريال يوسف، صلاح رشوان، ويخرجه محمد زهير رجب. حيث قامت مصلحة الضرائب العامة بالحجز على أموال المنتج عادل حسني قبل أيام قليلة بداعي وجود مبالغ مستحقة عليه لم يسدّدها، وبسبب ذلك تم هدم الديكورات التي بنيت قبل عدة أسابيع، وهي منزل الملك النمرود، كما تم إلغاء المسلسل الخريطة الإنتاجية خلال العام الحالي. المسلسل كان يناقش حقبة تاريخية مهمة من خلال قصة حقيقية للملك النمرود، الذي ملك الأرض كلها في عهد سيدنا إبراهيم، وادعى الألوهية، وأنه يحيي ويميت، وحاول حرق النبي، بعدما قام بتحطيم الأصنام، فبعث الله له بعوضة واحدة دخلت في أنفه، وانتقلت لرأسه وظلت بداخلها بقية حياته، وكانت تسبب له صداعاً شديداً لدرجة أنه كان يطلب من القوم أن يضربوه بالنعال حتى يخف الصداع إلى أن اقترح البعض في النهاية قطع رأسه حتى يخرجوا منها الذبابة. أسماء بنت أبي بكر أما مسلسل أسماء بنت أبي بكر فسيؤجل هو الآخر إلى أجل غير مسمى، المسلسل قابلته معوقات كثيرة منذ بدء التفكير في تنفيذه حتى قام قطاع الإنتاج بإدراجه في خطته ضمن الأعمال التي سينفذها خلال هذا الموسم للعرض في رمضان المقبل، إلا أن رقابه القطاع طلبت حذف موقعه الجمل التاريخية التي دارت بين قوات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والجيش الذي يقوده الصحابيان طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام بالإضافة إلى أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، حتى لا يثير المشاعر، ويزيد من الأزمات الموجودة في الشارع المصري حاليا بسبب موقعة بنفس الاسم، ولكن مؤلف العمل د.بهاء الدين إبراهيم رفض وأصر على إدراج الموقعة ضمن أحداث المسلسل، وطالب بعرض العمل على الأزهر مرة أخرى، ولكن الأزهر طلب إجراء بعض التعديلات وتغيير بعض النصوص. المسلسل كان قد حصل على موافقة من رئيس لجنة القراءة والنشر بالأزهر الشريف، وذلك على ظهور شخصية السيدة أسماء في المسلسل، وتم وضع ختم الأزهر على كل ورقة في السيناريو وإجازته دون حذف أي مشهد، لأنها ليست من العشرة المبشرين بالجنة أو من آل بيت الرسول، ولكن بسبب الانقسام الذي حدث الآن بين المصريين طالب الأزهر بإجراء بعض التعديلات. المسلسل يتناول الفترة التي عاشتها سيده أسماء بنت أبي بكر وأهم الأحداث التي عاصرتها بداية من بعث الرسول والغزوات التي قادها، إضافة إلى المشاكل التي حدثت في عهد الخلفاء الراشدين بداية من مقتل سيدنا عثمان حتى موقعة الجمل. فارس المنابر أما مسلسل فارس المنابر، والذي يتناول حياة الشيخ عبدالحميد كشك فقد دخل هو الآخر في نفق مظلم بعد رفض أسرته الموافقة على العمل تنفيذ لوصية كشك، حيث أعلنوا أنه أوصاهم بأنه لا يريد ظهور أي أعمال عنه بعد وفاته، المسلسل من تأليف فيروز حليم ورشح لبطولته الفنان المصري خالد صالح والذي رحب بالدور، المسلسل يتناول حياة الشيخ كشك بدءا من ميلاده عام 1933 مرورا بأبرز المحطات في حياته بداية من فقدانه البصر، حيث ولد مبصرا، ولكن في الثالثة عشرة من عمره فقد إحدى عينيه، وفي السابعة عشرة فقد العين الأخرى، كما يتطرق المسلسل لواقعه تعيينه معيدا بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة عام 1957م، وإصراره بعد محاضرة واحدة للطلاب الابتعاد عن مهنة التدريس في الجامعة، حيث كانت روحه معلقة بالمنابر التي كان يرتقيها منذ الثانية عشرة من عمره، كما يتناول المسلسل خلافاته مع السلطة خاصة عندما طالبه المشير عامر بإصدار فتوى بإهدار دم سيد قطب، فرفض كشك أن يكون الدين لعبة في يد السلطة، وهو ما أدى إلى تعرضه للسجن بالإضافة لأيامه الأخيرة التي حملت الكثير من الدروس المستفادة، خاصة وفاته وهو ساجد. رابعة العدوية أما مسلسل رابعة العدوية فقد تم تأجيله إلى أجل غير مسمى، حيث رفض المنتج إسماعيل كتكت إنتاج المسلسل، وكان مرشحا لبطولته في البداية الممثلة السورية نسرين طافش لتؤدي الدور، كما تم ترشيح المخرج زهير قنوع لإخراج المسلسل، وتم اختيار اسم عذراء البصرة كاسم مبدئي للعمل، ولكن كتكت رفض المشروع كله لأن الفكرة كانت مستنسخه من فيلم رابعة العدوية الذي سبق أن قامت ببطولته الفنانة نبيلة عبيد، حيث اشترط أن يتم تناول الموضوع بشكل مختلف تماما عن الفيلم وعن أي مسلسل تاريخي أو ديني، وأن يربط بين التاريخ والمعاصرة، وهو ما أدى إلى اعتذار نسرين طافش عن الدور، وتم اقتراح اسم الفنانة صابرين لتؤدي الدور، ولكن في النهاية أعلن كتكت تخليه عن إنتاج المسلسل مبررا أنه أصبح لا يفضل إنتاج المسلسلات الدينية. مبالغ طائلة يرى العديد من النجوم أن سبب قله إنتاج المسلسلات الدينية يرجع إلى المبالغ الطائلة التي تطلبها إضافة إلى عزوف القنوات الفضائية عن شرائها، خاصة أنها لا تجلب إعلانات، وذلك بعكس المسلسلات الاجتماعية، ففي البداية تقول الفنانة صابرين: المسلسلات الدينية تحتاج إلى ميزانيات ضخمة حتى تظهر بالشكل المناسب، كما رأيناه في الأعمال الدينية الأخيرة مثل «عمر بن الخطاب»، والشكل الإنتاجي الضخم الذي ظهر به وكلها عوامل تجذب المشاهد ليشاهده دون تردد، بالإضافة إلى أنه لا بد أن تحصل هذه المسلسلات الدينية على موافقة الأزهر الشريف لمعرفة مصير ظهور الأنبياء والصحابة والعشرة المبشرين بالجنة على الشاشة، وكذلك تعديل الورق لكي يتناسب معهم. أما الفنان حسن يوسف فيقول: الأعمال الدينية، هو أنها شهدت تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة، ولم يعد هناك اهتماما بها، ولا توضع على خريطة العرض التلفزيوني في أوقات متميزة، والتي تحجز لمسلسلات لا تقدم شيئا، وأيضا تضع لتلك الأعمال ميزانيات ضعيفة للغاية مع أنها كانت من المفروض أن تقدم بميزانية ضخمة نظرا للتصوير الخارجي الذي تتطلبه هذه الأعمال بعيدا عن الاستوديوهات. أما الفنان عزت العلايلي فيرى أن الإعلانات هي السبب الرئيسي في تراجع إنتاج المسلسلات الدينية، لأنها أصبحت مرتبطة فقط بالأفلام والكليبات الغنائية، وأيضا المسلسلات الاجتماعية والكوميدية بشكل غريب، ولا بد من الاعتراف بوجود اهتمام جماهيري كبير تجاه المسلسلات الدينية التي تعاني من إهمال جهات الإنتاج التي ترفض الخسارة. أما الكاتب الكبير مصطفى محرم فيرى أن مشكلة المسلسلات الدينية تتعلق دائما بجهات الإنتاج، لأنها تبحث فقط عن الربح والخسارة ولا تنشغل كثيراً بفكرة الإبداع والارتقاء بالعمل الفني لذلك لا تنشغل كثيراً بالدراما الدينية والتاريخية، وهناك من يتحجج بعدم وجود النصوص الدرامية التي تشجعه على الإنتاج، وهذا غير صحيح على الإطلاق لأن أزمة الدراما الدينية لا تتعلق بالكتابة، وإنما مرتبطة بتجاهل جهات الإنتاج وعدم الإقبال على تسويقها، لذلك لا بد للجهات الحكومية أن تقوم بمسؤولياتها تجاه الجمهور، وتتبع هذه الأعمال دون النظر إلى مقاييس المكسب والخسارة.