كلما ضاقت بالسياسيين ترقبوا كيف يتحرك بعض فقهاء السلطة، فتطلق فتاواهم لانفراج الأزمة، وتسيل دماء الناس لانفراج أزمة السياسي. راجت في الآونة الأخيرة بضاعتان: بضاعة السياسيين وبضاعة الفتاوى، فأصبحت علاقة الربح بينهما علاقة طردية، الفتوى في خدمة السياسة والسياسة في خدمة الفتوى، حتى بات بعضنا بل جلنا يخشى أن يكتب مقالا مغايرا لمزاج المفتي فيقوم باصدار فتوى تدور في رحى التحريم أو هدر الدم. والفتوى جزء مهم من الدين الذي شرعه الله، والفقيه هو الذي يحمل أمانة الدين ويكون سفير الله على الأرض وممثل الدين بين الناس لا كمرجعية مطلقة تتدخل في كل شاردة وواردة، بل كجهة محورية تلعب دورا مهما في حياة الناس، خصوصا في ما يتعلق بالضبط الفردي والاجتماعي لما للفتوى من تأثير تحريكي وتحفيزي للفرد والمجتمع. ولكن ماذا عن الله والسياسة؟ فالسياسي بات ربا للسياسة يديرها وفق مصالحه هو، ويعطي لنفسه الحق في كل شيء، ثم يتحفنا بلا مدخلية الدين بالسياسة، فما هو حق له في التشريع والتنظير السياسي ليس حقا لله الخالق لكل الكون والوجود، إلا أنه حينما يقع في مأزق يحتاج فيه الى تحريك الجماهير فهو يذهب ليطرق باب الفقيه الذي نصب نفسه إلها يفهم بالدين أكثر من صاحب تشريع الدين، ليعرض رب السياسة مشكلته على رب الدين فيفصل الثاني فتوى تناسب مقاس السياسي وتحل له معضلته، ليطلق عنانها كفتوى عليها ختمه ويبشر الناس بالجنة. فبين جهاد المناكحة وتفجير النفس في المدارس والمخابز، وبين الناس وعلى الطرقات، وبين السياسيين حكاية وصل ترويها فصول الحروب المذهبية التي تريد تلك الفتاوى إشعالها لا لشيء إلا لتمكين السياسيين من طموحهم السلطوي ورغبتهم في النفوذ والهيمنة. فتاوى الموت باسم الله، ليصبح الله في السياسة حتى عند العلمانيين يمثله الفقهاء، فتاوى غالبها ليس لتعبيد الدنيا للناس وخدمتهم ولا لإقامة العدل الذي كان هدف بعثة الأنبياء، بل فتاوى غالبها تطغى عليه رائحة الموت والكره والجنس والقتل والاقتتال، ولو عرضناها على القرآن لاكتشفنا كيف كمن الشيطان في تفاصيلها. لقد تحالفت السياسة مع فقهاء السلطة.. تحالفوا ضد الناس وإنسانية الإنسان، تحالفوا ربما ضد الدين باسم الدين، وتحالفوا ضد الله بحجة التفويض من الله. تحالفوا لاستخدام آلة الدين للدنيا وبدل أن يكون الدين في خدمة الإنسان وتكامله حولوه لأداة لقتل الإنسان وتخديره، ليصبح بأيديهم واقعا أفيون الشعوب، بدل أن يكون محركهم نحو الثورة في كل اتجاهاتها. الفقهاء والسياسة أصبحوا الصنم الذي فرض علينا كشعوب عبادته، لنسبّح بحمدهم ونستقبل قبلتهم ونكون قرابينهم باسم الدين لتحقيق رغبتهم في الملك. إيمان شمس الدين [email protected]