انتصار الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في الانتخابات الرئاسية هذا الشهر وعودته الى البيت الابيض لأربع سنوات أخرى، يعني بأن الحكومة اليمينية الإسرائيلية ومنظمة الضغط الصهيونية الممثلة بلجنة الشؤون العامة الاميركية الإسرائيلية (إيباك) تعرضت لهزيمة مفاجئة، وخرجت من المغامرة اكثر ضعفاً وأقل نفوذاً في الساحة السياسية الاميركية. وترى منظمة «جي - ستريت»، وهي عبارة عن منظمة ضغط يهودية ليبرالية، أنشئت أخيراً، وتدعو إلى التفاوض سلميا بشأن حل الدولتين، أن الناخبين اليهود في الولاياتالمتحدة ابتعدوا عن القضية الصهيونية خلال هذه الانتخابات، على الرغم من مئات الملايين من الدولارات التي تبرعت بها (إيباك) وبعض الأميركيين اليهود الأثرياء لدعم السياسيين المتشددين الموالين للصهيونية، والمرشحين لمنصب الرئيس والكونغرس. وعلى الرغم من حملات الاعلانات الشرسة ضد أوباما في جنوب لاية فلوريدا وفي مدينة نيويورك، والتي استهدفت الناخبين اليهود بينت استطلاعات الرأي التي نظمتها المنظمة أن 70٪ من الناخبين اليهود أدلوا بأصواتهم لصالح أوباما، وتمثل النسبة نفسها التي درجت على التصويت تاريخياً لصالح الديمقراطيين. والأهم من ذلك، انه على الرغم من إلحاح الحكومة الحالية في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو على ضرورة مهاجمة إيران، أظهرت استطلاعات الرأي أن 90٪ من قضايا اليهود الاميركيين هي عبارة عن قضايا محلية ليس لها علاقة بإسرائيل. ومثال واحد للحملات التخويفية التي نظمها الممولون الصهاينة في ولايتي فلوريدا ونيويورك، كانت هناك لوحة كبيرة وضعت على طول الطريق السريع مرسوم داخلها صاروخ ايراني متجه نحو إسرائيل، وتحته رسالة تقول «إن الأصدقاء لا يتركون أصدقاءهم عرضة للسلاح النووي، أوقفوا أوباما». ولعل أكبر ضربة للحكومة الإسرائيلية و«إيباك» بطبيعة الحال هي هزيمة المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، ميت رومني. وخلال ذروة الحملة الانتخابية، زار نتنياهو الولاياتالمتحدة وأيد صراحة رومني، منتقداً أوباما لعدم رغبته في أن تدعم الولاياتالمتحدة أو تشارك على الاقل في غارة جوية على منشآت إيران النووية. ورفض أوباما - الذي لم يزر إسرائيل خلال فترة ولايته الأولى - علناً طلباً من نتنياهو لعقد اجتماع منفرد بينهما في البيت الأبيض، وهو ما يعتبر صفعة غير عادية لزعيم إسرائيلي من قبل رئيس الولاياتالمتحدة. أما قطب أندية القمار، شيلدون أديلسون، وهو صهيوني قوي، تبرع بأكثر من 100 مليون دولار لدعم رومني، لكنه اكتشف أنه أهدر أمواله في الوقت الذي فضل الشعب الاميركي عدم دعم الرجل الذي أظهر تشدداً أكثر ضد إيران، والذي انتقد الرئيس أوباما خلال حملته الانتخابية لقوله انه يريد أن «يسلط مزيداً من ضوء النهار» على السياسات الخارجية للولايات المتحدة وإسرائيل. وخلال مناظرة تلفزيونية، وجه رومني انتقاداً لأوباما لعدم زيارته إسرائيل خلال الحملة، في حين رد أوباما صراحة الى أن جميع ما فعله رومني هو ذهابه الى اسرائيل لجمع الأموال من المانحين الإسرائيليين. وفي الوقت نفسه، فقد عدد من الصهاينة المتشددين شاغلي المناصب في الكونغرس مقاعدهم لصالح المرشحين غير الموالين لنتنياهو. فقد تعرض المرشح الجمهوري تومي تومسون، الأوفر حظاً في السباق في ولاية ويسكونسن لشغل مقعد السيناتور الجمهوري الصهيوني، هيرب كول، والداعم المتحمس لإسرائيل وحكومة نتنياهو للهزيمة من قبل المرشح الديمقراطي تامي بالدوين، والذي تتصف مواقفه حيال اسرائيل بكثير من الحكمة. كما تعرض للهزيمة أيضاً النائب الجمهوري في فلوريدا، آلن ويست، الذي اطلق مقولته الشهيرة بأن أي حل لدولتين سيكون «خطأ اسطورياً في السياسة الخارجية الاميركية»، واطاح به منافسه الديمقراطي، باتريك مورفي، والذي فاز على الرغم من الحملة التي تم تنظيمها في منطقة يهودية تدعي بأن منافسه «يعمل على إضعاف دفاع دولة إسرائيل». ولعل الخسارة الكبيرة التي منيت بها جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في الولاياتالمتحدة تتمثل في استبدال الصهيوني اللدود، جو ليبرمان، النائب بولاية كونيتيكت، والذي كان ينادي حتى نهاية فترة ولايته بالحرب على إيران. وقرر ليبرمان التقاعد وعدم السعي لاعادة انتخابه عندما بدا له واضحاً أن ولايته كونيتيكت، والتي أجبرته على خوض الانتخابات قبل ست سنوات مرشحاً مستقلاً، ترفضه هذه المرة. وحل محله الديمقراطي كريستوفر ميرفي، و«الذي لديه أيضا موقف أقل عدائية تجاه إيران، والذي يفضل حلاً قائما على أساس دولتين». وعلى كل فإن منظمة «جي - ستريت»، والتي جمعت وتبرعت بما وصل الى 1.8 مليون دولار في الحملة الانتخابية الأخيرة، اكدت أن 70٪ من المرشحين الذين تدعمهم، وجميعهم من مؤيدي حل الدولتين عن طريق التفاوض بين إسرائيل وفلسطين، فازوا في هذا السباق بمن فيهم الرئيس. بطبيعة الحال، فان «جي - ستريت»، التي يتهمها اليهود اليمينيون بأنها «معادية للسامية»، تقول إنها «مؤيدة لإسرائيل»، وإنها بالفعل كذلك، ولكنها مع ذلك تتحدى آجندة المحافظين الجدد، الذين يعتبرون العالم العربي والاسلامي عدواً لدوداً، وهذا وحده من شأنه ان يدعم ويعزز برنامج حرب امبريالية اميركية دائمة، مع اعتبار إسرائيل حليفاً اساسياً في تلك الحرب. ألا والنقطة الأساسية التي يمكن من خلالها النظر في نتائج الانتخابات هي أن السلطة الرئيسة ل«إيباك» وجماعة الضغط الصهيونية اليمينية في الولاياتالمتحدة تقوم، ومنذ فترة طويلة، بتهديد السياسيين اذا لم يقدموا الدعم غير المحدود لإسرائيل، بما في ذلك مليارات الدولارات على شكل مساعدات عسكرية كل عام من دون مقابل. واذا لم يدعموا سياسات الحكومة اليمينية الإسرائيلية التعسفية التي تتبع سياسات الفصل العنصري في الأراضي المحتلة، فإنهم يفقدون إعادة الانتخاب. في السنوات الماضية، كان هناك اعتراض من بعض أعضاء الكونغرس على سياسات إسرائيل، ولعل أبرز المعترضين هي النائبة سينثيا ماكيني، من ولاية جورجيا، والتي وقفت في وجه إسرائيل و«إيباك»، ونافسها مرشحون مدعومون من «إيباك»، وبالتالي فقدت مقعدها. ولكن هذا العام، لم ينجح التهديد. وفاز أوباما لفترة ثانية على الرغم من رفضه صراحة الانصياع لنتنياهو، ورفضه الموافقة على الضربة الإسرائيلية لإيران، وعلى الرغم من الدعم العلني من الصهيونية لمنافسه رومني. إن انتخاب عدد من أعضاء الكونغرس الجدد، والذين هزموا المرشحين المدعومين من «إيباك»، بعضهم من أصحاب المناصب، سيتسبب في مزيد من الضعف لجماعة الضغط الصهيونية. والآن وبعد أن تبين خواء خطر التهديد الذي تشكله هذه الجماعة فمن الصعب إنعاش جهودها. ديفي لندورف صحافي أميركي