أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ لِي النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَأْ عَلَيَّ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بشَهِيدٍ وَجِئْنَا بكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا)، قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ»، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، (أخرجه البخاري). هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب فضائل القرآن، باب قول المقرئ للقارئ: حسبك. ذكر الإمام ابن حجر في كتابه فتح الباري: «قال النووي: البكاء عند قراءة القرآن صفة العارفين وشعار الصالحين، قال الله تعالى (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ) (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) والأحاديث فيه كثيرة، قال الغزالي: يستحب البكاء مع القراءة وعندها، وطريق تحصيله أن يحضر قلبه الحزن والخوف بتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والوثائق والعهود، ثم ينظر تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن فليبك على فقد ذلك وأنه من أعظم المصائب»، (فتح الباري بشرح صحيح البخاري 8/717). ومن المعلوم أن للقرآن الكريم منزلة قدسية رفيعة، وفضائل جليلة مهيبة، منشؤها أنه كلام الحق سبحانه وتعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو العاصم من الضلال لمن تمسك به واعتصم بحبله المتين، فهو الكتاب الذي ربط بين جميع المسلمين، وكان دستورهم في شئون دينهم ودنياهم، والروح الذي أحيا أموات أفئدتهم، وأزال الغشاوة عن قلوبهم، والنور الذي أضاء لهم الطريق وسلكوا به سبيل الهدى والرشاد. لقد أرشدنا ديننا الإسلامي إلى ضرورة التدبر والخشوع عند تلاوة القرآن الكريم والاستماع إليه، كما في قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)، «سورة ص: الآية 29»، قال الإمام الشوكاني- رحمه الله- في تفسير الآية: «وفي الآية دليل على أن الله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر والتفكر في معانيه، لا لمجرد التلاوة بدون تدبر»، (فتح القدير4/533)، ولذلك يقول ابن القيم - رحمه الله-: «ولهذا أنزل الله القرآن لِيُتَدَبَّر وَيُتَفَكَّر فيه، وَيُعْمَل به؛ لا لمجرد التلاوة مع الإعراض عنه»، (مفتاح دار السعادة ص 215). ... المزيد