في المقال الماضي تحدثت عن وقائع ما جري، في لقاء جمع عددا من المثقفين العرب والمصريين، على هامش مهرجان الجنادرية بالسعودية، ونستكمل... لم أجد بدا من المشاركة والتعليق، خاصة مع وجود عدد من كبار رجال الفكر والإعلام، من دول عربية مختلفة، وقلت لا أريد أن أكون «كمن يغرد خارج السرب» كما أنني أقر وأعترف أنني لست من رجال الحرية والعدالة، ولم أنتم إلى الإخوان المسلمين. ورؤيتي تتلخص في أنهم فصيل مصري، لم يهبط علينا من المريخ، دفع ثمنا غاليا من حرية أعضائه، وأمنهم، واستقرارهم، وحتى حياتهم، نتيجة المواجهات مع السلطة منذ سنوات ما قبل ثورة 1952, جاء إلى الحكم عبر انتخابات حرة ونزيهة، شهد لها الجميع، ولخصت ردودي في عدد من النقاط: أولا: أن هناك أزمة تواجه النخب والمثقفين المصريين، وهي اختراعهما للكذبة، ثم ترديدها، ومن كثرة هذا العمل، يتم تصديق الكذبة، والتعامل معها وكأنها حقيقة. ثانيا: أن هناك بعض المصطلحات، التي دخلت القاموس السياسي المصري مؤخراً، دون أن يتوقف أحد لمناقشتها، أو يتعرف على مدى صدقها، أو يقدم أدلة ومستندات تؤكد ما ذهب إليه, وبعدها تتلقف وسائل الإعلام الخاصة المصطلح، وتلعب دورا في ترسيخه. ثالثا: لم يقل لنا أحد من الزملاء الذين تحدثوا قبلي عن آليات أخونة القوات المسلحة، وأنظمة القبول بها, ومنذ عام 1981، وهو عام قتل السادات على يد ضباط من القوات المسلحة، سواء خالد الإسلامبولي، الذي تم إعدامه، أو عبود الزمر الذي كان عقيدا في المخابرات العسكرية، وحكم عليه بالأشغال الشاقة، وظل في السجن حتى تم الإفراج عنه، بعد سنوات طويلة بعد انقضاء مدة العقوبة، بعدها أصبح من الصعوبة بمكان أن يتم اختراق القوات المسلحة بأية وسيلة من قبل تيار الإسلام السياسي، حيث يتم رفض قبول أي متقدم للالتحاق بالكلية الحربية، لأي شخص في عائلته بمفهومها الواسع، أي اشتباه بانتماء للإخوان، أو أي تيار ديني، كما أن الأجهزة الأمنية داخل القوات المسلحة تقوم باستبعاد أي عنصر من الضباط من الخدمة إذا ارتبط بأية صورة من الصور مع تنظيم إسلامي أو أصبح له نشاط ديني. رابعا: لم نعد نفهم ذلك التناقض، بين الذين تحدثوا في بداية تعيين الفريق عبدالفتاح السيسي، عن أنه أحد الخلايا النائمة للإخوان في القوات المسلحة، مع المجموعة المحدودة التي استمرت في مناصبها من المجلس العسكري، وبين ما يتم ترويجه الآن من خلافات بين الرئاسة وقيادة القوات المسلحة، والسعي إلى أخونة الجيش, سوى أنها جزء من دعاية مغرضة، ومحاولة الوقيعة بين الجانبين. خامسا: الذين يدعون لنزول الجيش عبر انقلاب عسكري لا يدركون خطورة ذلك, فكل المؤشرات تؤكد أن نزوله للشارع ستكون دون عودة للتشكيلات مرة أخرى، كما حدث بعد 28 يناير 2011، وظل عنصرا رئيسيا في المعادلة السياسية حتى إقالة المشير طنطاوي والفريق عنان في أغسطس من العام الماضي, ولكنها ستكون عودة للنموذج الناصري الذي سينفذ مشروعه في الحكم بنفسه، بقيادته، وأولى خطواته ستكون «كنس الطبقة السياسية الحالية» بما فيهم السلطة الحالية, وهي الحرية والعدالة والإخوان المسلمون، ومن قبلهم المعارضة, والتي تواري سوأتها وعجزها بالدعوة إلى تدخل الجيش، مع اعتقاد واهم بأن الجيش سيقوم -ولو بعد حين- بتسليم السلطة إلى البرادعي وجماعته في جبهة الإنقاذ، ويومها لن ينفع الندم لهؤلاء الليبراليين، الذين خانوا مبادئهم، إذا كانت لديهم مبادئ أصلا. سادسا: إن الحديث عن تغيير هوية الدولة ومؤسساتها كلام مرسل, يفتقد الأدلة والبراهين، ويتناقض مع حقائق الأمور، ومن ذلك أخونة القضاء، والكل يعرف أن هناك سببين لعدم القبول في سلك النيابة العامة، وهو أول الطريق إلى القضاء، أن يكون الشاب من الذين يصلون الفجر في المسجد مظنة أن يكون منتميا إلى أحد الجماعات الإسلامية. أو أن يتعاطى الشاب المخدرات، فكيف ستتم أخونة القضاء؟ وكذبة الأخونة مفضوحة في الإعلام القومي والرسمي, عندما تحاول بعض الصحف والبرامج نفي تلك التهمة بالقيام بصورة مستمرة بالهجوم على الإخوان. سابعا: من الخطورة بمكان حديث الدكتور سعد إبراهيم، ومطالبته بتدخل عربي في الشأن المصري، فهذا أمر لن يقبله أي فرد من أفراد الشعب تحت أية صورة، وما الأسباب التي تدعو إلى ذلك، وما الآليات، خاصة أن عددا من المصريين على قناعة بأن جزءا من الأزمة السياسية يعود إلى تدخل دول خليجية، لم تعد خافية على أحد، فما بالك إذا تعلق الأمر ببقية دول الخليج. ثامنا: تكفل المفكر الإيراني عطاء الله مهجراني، في الرد على فكرة سرقة الثورات، التي أثارها سعد الدين إبراهيم، عندما أشار إلى أن الخميني كان قائد الثورة الإيرانية، ومفجرها منذ خروجه من طهران حتى عودته إليها، بل هو الذي اختار أعضاء مجلس قيادة الثورة. وقد لقي تدخلي استحسانا من معظم الحاضرين، بعد أن قدمت صورة مغايرة لدى البعض عن الوضع المصري.