إبراهيم الملا (دبي) - ضمن سعيه لاحتضان مختلف التوجهات والتجارب السينمائية للمخرجين الشباب في المنطقة، وتحقيقاً لنواياه الفنية في منح الفيلم الخليجي فضاء تفاعلياً مع جمهور بات يستكشف ملامح مغايرة لأفلام تعبّر عن خصوصيتها وجرأتها أيضا في البحث والمغامرة ومحاورة القضايا الحية والملموسة، قدم مهرجان الخليج السينمائي مساء أمس الأول في صالات الفيستفال سيتي بدبي أول برامجه الخاصة بالأفلام الروائية القصيرة التي توزعت على الأفلام المتنافسة على جوائز المهرجان، والأخرى المنتمية لبرنامج (أضواء)، وهي أفلام خارج المسابقة الرسمية لأسباب متعلقة بالشروط التنظيمية ولوائح المشاركة. وتميزت هذه الأفلام بتنوعها وتفاوتها من حيث النسق الإخراجي، وطرق تناولها للقضايا الذاتية والعامة المطروحة فيها، فمن أفلام اختارت الرصد المحايد لوقائع خارجية تتحدث عن نفسها دون تدخلات للحوار والتفاصيل السردية، إلى أفلام انتصرت للمزج بين الوثائقي والروائي، وأفلام أخرى انحازت لمحتواها السردي الصرف والمترجم لمسارات السيناريو، ولابتكارات المخرج المشهدية ضمن الإطار العام للحكاية. معمار تشكيلي في فيلم بعنوان «تحت السماوات» لمخرجة تنحدر من أصول عراقية هي رانيا توفيق، تتأسس المشاهد الأولية للفيلم على كادرات تجريدية تلتقط تفاصيل رسوم وكتابات غير مكتملة على الجدران، وساهم في خلق هذا الانطباع المحير من جهة تحديد ماهية هذه الرسومات وطبيعتها، لجوء المخرجة للقطات المقربة جداً، والتي لا توضح بقدر ما تستر، ولا تبوح بقدر ما تضمر، ولكن مع الانسحاب التدريجي للكادر نحو اللقطات المتوسطة والبعيدة، يتوضح للمشاهد المحتوى الجمالي لمعمار تزييني وتشكيلي مبهر، لفنانين فطريين يحولون الجدران الصامتة للشوارع إلى مساحات مشتعلة بالتجريب اللوني والخطوط المدهشة التي تؤكد قدرة المهمشين في التعبير عن مواهبهم المنسية وإضفاء الجاذبية الروحية والبصرية في أمكنة اعتادت على نمط روتيني مكرر وتحتاج لمن يزحزحها قليلا باتجاه التنويع والثراء البصري واكتشاف الجانب المبهج من الحياة. كوابيس أم وفي فيلم "اختفاء" للمخرج الكويتي عبدالمحسن الجادر يقتفي الفيلم حكاية أم تفقد ابنتها الوحيدة قرب إحدى الشواطئ المنعزلة، ويظل أثر هذا الاختفاء المؤلم حاضرا في كوابيس الأم وفي أحلام يقظتها، وكأنها لا تريد الاستسلام لشرط هذا الغياب الفادح، ولا تريد التصالح مع فكرة الفقدان، ورغم تدخل طبيبها النفسي للتخفيف من معاناتها، إلا أن لقطة الختام تضع المشاهد في المنطقة ذاتها التي تعيشها الأم، حيث تظل صورة الطفلة حاضرة في كل الوجوه المحيطة بالأم، وفي كل الأمكنة المسكونة بمحطات استعادية وذاكرات ترفض أن تنمحي وسط هدير الحزن واملاءاته الشائكة. ... المزيد