بات ملف التعليم صداعاً يؤرق صانع السياسات، وحقل أشواك يحتاج إلى التعامل بمهارة وحذر، ويحتاج إلى وصفة غير تقليدية للعلاج، فقد أثبتت الهجرة الجماعية من مدارس الحكومة إلى مدارس التعليم الخاص، وتفضيل أولياء الأمور نار أسعار المدارس الخاصة التي تستنفد مواردهم على جنة التعليم الحكومي المجاني، فضلاً عن ضعف المخرجات أن ثمة خللاً خطيراً في العملية التعليمية وأن التعليم في حاجة إلى وقفة جادة لاستخلاص الدروس ووضع استراتيجيات النهوض من جديد.(طالع ص 9-12) بالأرقام فان اعداد المدارس الخاصة في تزايد وأعداد الطلاب المتوجهين إليها في نمو مضطرد مقابل زيادة أخرى لكن في الاتجاه المعاكس في ضعف ثقة المواطنين في التعليم الحكومي، وتعددت الأسباب التي تحدث عنها أكاديميون وتربويون وأولياء أمور ل«النهار»، داعين الى الابتعاد عن تسييس التعليم، ومحذرين من ان الفاتورة الباهظة التي تدفعها الأجيال والكويت الآن هي نتيجة التخبط في السياسات التعليمية وجعل التعليم حقلاً للتجارب ومناطا للتجاذبات السياسية على مدار عقود «ومن زرع الشوك لم يجن سوى الحصرم». التربويون دعوا الى استيعاب الدروس واستخلاص العبر والنأي بملف التعليم عن آتون السياسة، وشددوا على ضرورة ترك التربية والتعليم للتربويين «لأن أهل مكة أدرى بشعابها»، وابعاده عن التكسب السياسي والتجاذبات الفئوية والطائفية واعادة الاعتبار الى المهنية والموضوعية اذا ما كانت هناك ارادة حقيقية في علاج تشوهات وانتكاسات هذا الملف المهم الذي يتعلق ببناء الإنسان. وحمَّل أهل الميدان الوزراء المتعاقبين مسؤولية التدهور بالانصراف الى التجاذبات السياسية عن معالجة الملفات المعقدة والشائكة وتطوير قدرات الهيئات التعليمية واصلاح المناهج والمنشآت التربوية والنهوض بالمعلم وعلاج الفساد الاداري والكثافة الطلابية المرتفعة في المدارس والتي تؤثر بدورها على سوء المخرجات التعليمية، فضلاً عن ربط التكنولوجيا الحديثة بالمناهج. بينما رأى الأكاديميون في النظام الثانوي الموحد كارثة ومخرجاته الى الجامعة ليسوا بالمستوى المطلوب، مطالبين بالغاء هذا النظام، مؤكدين ان التربية يجب ان تكون سياسة دولة وليست تلبية لحاجات جمهور، واتهم الاكاديميون القيادات التربوية بالافتقار الى الخيال وعدم امتلاك الرؤية الواضحة للتطوير، معتبرين ان أزمة التعليم في البلاد ووزارة التربية هي في المناصب القيادية التي تحولت للوجاهة والترضيات السياسية والمحاصصة. وحذروا من الاعتماد على خبراء أجانب لتطوير التعليم الذي يجب أن ينبع من داخل المجتمع، داعين الى اعطاء الفرصة للكفاءات الوطنية الحقيقية وهي قادرة على النهوض بملف التعليم والخروج به من كبوته واستعادة ثقة المواطنين فيه، وتمهين التعليم وجعل المعلم يحمل رخصة تعليمية تقوم الوزارة بتقويمها كل خمس سنوات وزيادة الحافز المالي والتشجيعي. أما أولياء الأمور فقد برروا هروبهم من جنة مجانية التعليم الحكومي الى نار اسعار التعليم الخاص التي تحرق جيوبهم وتستنزف ميزانياتهم بعدم الثقة في التعليم الحكومي، مؤكدين ان تجاربهم معه أليمة وانهم فضلوا الفكاك بمستقبل أولادهم الى ما توفره مؤسسات التعليم الخاص من خدمات متميزة ومستوى تعليمي عال يضمن لأبنائهم التفوق، ما جعل من هذه المدارس بيئة جاذبة للطلبة خصوصاً في ظل تواضع مخرجات التعليم الحكومي.