| د.يعقوب أحمد الشراح | الباحث في الشأن السياسي وعلاقته بالصراع على التعليم يصطدم بجملة من الحقائق التي تؤكد أن النزاعات بين البشر ليست خاصية هذا العصر فقط، وإنما تاريخياً تعتبر من مكونات المجتمع التي ظلت ومازالت أداة بيد الطبقات الاجتماعية والسياسية التي تحاول السيطرة على التعليم وتسييسه على نحو يلبي طموحاتها وأهدافها. الحقائق عن أشكال الصراع السياسي على التعليم كثيرة وتكاد تسود من الناحية التاريخية في غالبية المجتمعات مهما اختلفت أنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهناك الصراع في الأنظمة الرأسمالية أو الشيوعية، وحتى في المجتمعات التي تدين بأيديولوجيات ومذاهب ومعتقدات خاصة، والسؤال لماذا الصراع على التعليم بالذات؟ وماذا سيتحقق من هذا الصراع السياسي؟ الحديث في ذلك يتطلب البحث في ماهية وطبيعة التعليم وأهدافه ومراميه التي تساعد على تهيئة الأجواء للصراع بين الطبقات الاجتماعية، خصوصاً وأن الصراع لا ينشأ من فراغ، وإنما له مسبباته وعوامله المؤثرة فكرياً وأيديولوجياً وثقافياً وتعليمياً. إن التعليم أداة فاعلة في إعداد الإنسان، خاصة وأنه يتميز بتأثيراته البالغة في التشكل الفكري والنفسي والثقافي، ودوره في بناء الشخصية الإنسانية، والتمكن من خلق قادة مؤثرين في إدارة الدولة. هذه العوامل وغيرها هي الأساس في تكوين مفهوم السيطرة والنفوذ وتحقيق المكانة الاجتماعية، لذلك يصبح التعليم ونظامه بيئة مناسبة للصراع، باعتبار أن التعليم يعكس القوة وشدة التأثير في المجتمع، ويعد المجال المناسب الذي يشجع أنظمة الاستبداد على أن تسيطر على التعليم، وقد شاهدنا نماذج من ذلك في مجتمعات كثيرة وعلى مر الزمن، لذلك ليس بمستغرب أن تصنف بعض أنظمة التعليم على أساس تعليم للفقراء والعاملين يختلف عن تعليم آخر للأغنياء وأصحاب النفوذ أو النخبة، وتعليم أكاديمي يختلف عن تعليم شامل لأبناء الطبقة المتوسطة. لاشك أن الصراع على التعليم في عالم اليوم مختلف عن الماضي، فهو صراع سياسي مفرط يختلط بعوامل جذب طبقية وطائفية مقيتة لا تترك المجال للمدرسة أو الجامعة أن تمارس ما تمليه عليها تطلعات الناس وحاجاتهم في غد أكثر اشراقاً وعدالة وتطوراً يستفيد منه المجتمع دون استثناء.. فالتعليم للجميع كما تنادي به منظمة اليونسكو يختلف عن سياق التعليم للنخبة أو لأبناء أصحاب السلطة والنفوذ، بينما الفقراء محرومون من التعليم. كذلك التعليم للجميع لا يعني الصراع السياسي الذي يهدف تسييس التعليم وتجييره لأغراض محددة واتجاهات لا تخدم إلا فئات محددة في المجتمع. هذه الحقائق عن الصراع السياسي على التعليم تظهر لنا دور مراكز القوى في الإخلال بأنظمة التعليم، والانحراف بها عن دورها الطبيعي كلما زادت الخلافات ليس فقط على نوعية البرامج التعليمية، وإنما أيضاً في الاتجاه السياسي الضاغط للقادة ومن ينبغي أن يقود التعليم أو يدير دفته.. لقد تم تسييس التعليم في نظامنا من خلال السيطرة عليه ومحاولات التغيير في أهدافه وبرامجه على مدى أكثر من عقدين من الزمان، فلم يكن النظام التعليمي موفقاً في اختيار بعض القادة الذين تركوا حقائبهم في فترات زمنية قصيرة رغم تراجع التعليم وتكاثر أزماته وتكرار الوعود بمعالجة هذه الأزمات، ولقد تميز الصراع بين الكتل السياسية التي تحركها الطوائف والتجمعات وأحياناً الأجندات الخارجية في تزايد المشكلات والاصطفاف في خط الطائفية والقبلية، وخلافات مكروهة بين المذاهب أو بين التيارات العلمانية التي تريد فصل الدين عن الدولة أو مع الإسلام السياسي الذي يسعى للسيطرة، وبين المعتدلين الذين يتصفون بالصمت والتفرج.. ومع أن الدستور لايسمح بالأحزاب فقد ظهرت التكتلات السياسية التي زادت من حدة الصراع مع نفسها ومع الحكومة من أجل فرض أجنداتها السياسية أو الدفاع عن مصالح القبائل والطوائف منتهكة نظام العمل والقوانين. هذه وغيرها عكست أجواء متوترة في العلاقة مع الحكومة، فلم تستطع الحكومة إنجاز الكثير أو معالجة الأولويات من المشكلات ما أوقع التعليم في فخ هذه الصراعات وتجاذبات القوى السياسية المختلفة. [email protected]