| د. يعقوب أحمد الشراح | نتميز عن غيرنا بكثرة إنشاء الهيئات والمجالس العليا، ويلاحظ ذلك بالاطلاع على الواقع الإداري لهيكلة الوزارات والأجهزة الحكومية المتضخمة بالعاملين والمتداخلة في الاختصاصات والتي في أغلب الأحوال تعطل الأداء وانسيابية الأعمال. هذه المجالس أو الهيئات مع الأسف، أثبتت التجارب أنها لم تحقق ما كان متوقعاً منها وأنها تشكل أعباء مالية وإدارية على الدولة، ولأسباب عديدة فإنها قليلة الانتاج، وقد تربك أعمال الأجهزة التنفيذية الأخرى في داخل الوزارات بسبب الانتظار لما تسفر عنه اقتراحات هذه المجالس أو الهيئات العليا، أو لأن هذه الاقتراحات غير عملية، ولا يمكن تنفيذها على أرض الواقع... هناك العديد من العوامل المؤدية لضعف أو فشل أعمال المجالس أو الهيئات العليا يطول الحديث فيها، منها على سبيل المثال عدم مناسبة اختيار أعضائها حيث إن الغالبية تمثل أطيافاً اجتماعية وقطاعات مهنية ليست بالضرورة متخصصة في طبيعة أعمال المجلس، كما أن قلة اجتماعاتها وضعف متابعتها تشكل إشكالية أخرى نظراً لانشغال الأعضاء في أمور أخرى لا وقت لديها أن تسخره في أهداف المجالس والإسهام أو المشاركة الفاعلة في حل المشكلات. فضلاً عن أن غالبية الأعضاء في هذه المجالس يعينون على أساس أنهم يمثلون قطاعات اجتماعية وسياسية وفكرية ليست بالضرورة لديها الخبرة وحتى الاهتمام بمهام المجالس، وإنما تعين كأعضاء لأنها تمثل أطيافاً اجتماعية وسياسية، أو لديها علاقات بمراكز القوى الاجتماعية والسياسية... نقول ذلك بعد أن صدر مرسوم جديد يعيد إحياء المجلس الأعلى للتعليم، ولأسباب غير معروفة تخص آلية عملها وطبيعة دورها صدر المرسوم ليؤكد على أهمية هذا المجلس بعد أن فشل منذ صدور مرسوم به عام (1988). فلقد ظل هذا المجلس غائباً عن الساحة التربوية رغم مرور سنوات لدرجة أنه أصبج في طي النسيان، هذا في الوقت الذي كان يتأمل منه الناس ان يؤدي دوراً حيوياً ويتصدى للعديد من المشكلات والأزمات التي تواجه التعليم، خاصة تفاقم المشكلات بعد الغزو العراقي الذي مضى عليه حتى هذا اليوم أكثر من عقدين.. ومع ذلك نظل من المتفائلين في إحياء المجلس الأعلى للتعليم إذا كان ذلك هدفاً فاعلاً يصب في تطوير التعليم ومعالجة أزماته الكثيرة، وألا يكون المجلس مجرد واجهة أو شكلاً لا مضمون له يستمر ليعاد إحياؤه بعد سنوات أخرى من الفشل المتكرر.. كذلك نتمنى أن يستفيد المجلس من المشكلات السابقة، وأن يعالج السلبيات التي واجهته منذ إنشائه عام (1988)، خصوصاً وأن الكثير من التغيرات حصلت خلال السنوات الفائتة تستدعي مراجعة أسلوب عمل هذا المجلس ومهامه واختصاصاته على نحو لا يتعارض مع أعمال الكثير من القطاعات في الوزارة مثل مجلس الوكلاء، ومركز تطوير التعليم، وقطاع البحوث والتدريس وغيرها. كل ذلك ينبغي النظر فيه في إطار الهيكلة العامة للإدارة التربوية العليا، ودراسة ما يرد إلى المجلس من تقارير واقتراحات تحتاج إلى تمحيص ورؤية وتفهم واقعي يدفع بعجلة التطوير إلى الأمام وعلى أساس أن يكون مسانداً للعمل التربوي وليس مراقباً ومحاسباً على سياساته. نتمنى أن يكون للمجلس الأعلى دور في محاربة تسييس التعليم وعدم محاولات الميل به باتجاه معين يخدم اتجاهات معينة، ويفتح الباب للمزيد من الصراع على التعليم والذي ساد في الثمانينات من القرن الماضي وأدى إلى إرباك المؤسسة التربوية وشل حركتها وتفاقم مشكلاتها. إن المجلس الأعلى مطالب اليوم أكثر من أي وقت بأن يحافظ على التوازنات السياسية والثقافية والاجتماعية في المجتمع، وعلى أساس الوقوف على مسافة واحدة من كافة التوجهات السياسية المتناحرة، وبما يخدم مصالح كل فئات المجتمع وأطيافه المختلفة. فالأسلم أن يكون التعليم قطاعاً محايداً بعيداً عن الصراعات الطائفية والسياسية، وأن يخدم السياسة التعليمية في الدولة بكل شفافية وموضوعية. [email protected]