لا أظن هناك من يخالف الرأي في أننا ومنذ أمد بعيد نعيش مشكلة ضعف مساهمة التعليم الجامعي في تنمية المجتمع. فالأبحاث العلمية، وتأهيل الخريجين، والتفاعل مع القضايا والمشكلات في المجتمع وغيرها هي مسائل أساسية تهتم بها الجامعات العريقة التي تؤمن بأنها جزء من المجتمع وعليها دور ينبغي أن تقوم به. لدينا تعليم عال يضم عدداً من الكليات الجامعية الأكاديمية والتطبيقية والتكنولوجية مضى على إنشائها زمن طويل تضم اليوم الآلاف من الطلبة الذين يتأملون مستقبلاً مشرقاً، ومشاركة حقيقية في تنمية الدولة لكنهم يتخوفون من تعثر أهدافهم وطموحاتهم... اهتمامنا بالاقتصاد لا يقارن بشدة اهتمامنا بالاستهلاك، فلقد تعودناعلى الاستهلاك في كل شيء ولم نتعلم الانتاج والمساهمة الجادة في إيجاد وسائل اقتصادية من خلال خلق مهارات بشرية قادرة على التطوير والانتاج بدل الاعتماد على مورد نفطي ناضب مخزون في باطن الأرض. إن المؤسسة الجامعية هي التي تعد الشباب لهذا الدور الحيوي، لكنه دور يحتاج إلى بيئة مناسبة للمساهمة في التنمية. فما الفرق بيننا وبين دول مثل سنغافورة، وكوريا الجنوبية تطورت من لاشيء بينما نحن مازلنا في أسفل مراتب التقدم؟ أموال طائلة تصرفها الحكومة على التعليم الجامعي، وتجلب أفضل الأساتذة من الخارج، وتوظف حشداً هائلاً من أساتذة تفوق رواتبهم رواتب أساتذة في أرقى جامعات العالم، ومع ذلك تظل النتائج مخيبة للآمال. فنحن ما زلنا في أدنى مراتب التعليم الجامعي في العالم، والأبناء يشتكون من جهلهم بطبيعة مايؤدون من وظائف بعد تخرجهم لأنهم لم يدرسوها، فكيف يطلب من خريج في العلوم أو السياسية أن يؤدي عملاً إعلامياً أو إدارياً؟ وكيف نقيس مخرجات أخرى بمن تخرج من الهندسة لكنه لايجد المكان المناسب فيضطر للعمل في ميدان مخالف لتخصصه؟ إن محنة التعليم الجامعي تتجلى في تراكم الأخطاء، وعدم الاستناد على استراتيجيات بعيدة المدى تأخذ في الحسبان ليست فقط البعد الكمي الذي يشغلنا دائماً، وإنما أيضاً الجودة في التعليم، والانضمام إلى قافلة الجامعات المتنافسة ذات السمعة العلمية الراقية. فلقد أنشئت الجامعة متأثرة بتجارب التعليم العربية، ثم جاءت التغيرات العشوائية في برامجها ونظامها من خلال إدخال أنظمة أجنبية كنظام المقررات الأمريكي الذي تنفذ على أيدي بعض أساتذة تخرجوا من أمريكا اعتقدوا بمثالية هذا النظام وضرورة تطبيقه رغم المعارضة الشعبية والاختلاف في وجهات النظر تجاه الحاجة إلى خلق توازن بين نظام تعليم امريكي أم انجليزي أو أي نظام آخر يؤخذ به.. ومع ذلك ساد النظام الأميركي في الجامعة إلى يومنا هذا دون إصلاحات جذرية في برامج التدريس وعلى نحو يتوافق مع ظروف البيئة المحلية والنظرة المستقبلية. فليس منطقياً أن تعتمد الدولة على تعليم أكاديمي بعيد عن التعليم التطبيقي التكنولوجي الذي هو الأساس للنهضة الاقتصادية، ثم ما فائدة تعليم أكاديمي يعتمد على المعرفة، وينجرف إليه الغالبية من الطلبة بينما لايمتلك الدارس المهارات العملية التي تفيده في حياته؟ أن تأسيس التعليم التطبيقي والتكنولوجي الذي قبل به المجتمع في بداياته كان يستند على أنه الملاذ الآمن لاقتصاد لايعتمد على النفط كمورد وحيد، وإنما قادر أن يحقق فرصاً اقتصادية جديدة لمستقبل الدولة. لكن بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود أصبحنا نتساءل عن واقع البدائل الاقتصادية، وأين هي الآن في وقت تقول فيه الحكومة أنها مستمرة في جعل الدولة مركزاً مالياً على مستوى الإقليم؟ إن تحليل واقع التعليم العالي يعكس الفجوة بين التوصيات والنتائج. فما الفائدة من دراسة توني بلير حول رؤيته للكويت حتى 2030، أو توصيات المؤتمر الوطني لتطوير التعليم الذي عقد في 2008 وتمخض عنه (19) مشروعاً لاصلاح التعليم؟ ولماذا تم تجاهل استطلاع الرأي في سنة 2009 حول التعليم والذي عكس أن حوالي 98% من الكويتيين غير راضين عن مستوى التعليم؟ تساؤلات كثيرة يعجز المسؤولون عن التعليم الإجابة عنها... د.يعقوب أحمد الشراح [email protected]