تمثل الجامعات الركيزة الأساسية للتعليم العالي، حيث تساهم في بناء الإنسان معرفيًا وثقافيًا وخلقيًا ومهاريًا على النحو الذي يساعد على تنمية الموارد البشرية في كافة التخصصات التي تحتاجها خطط التنمية المستدامة في الدولة , ومن هنا تزايد الاهتمام بجودة التعليم العالي، حيث تعتبر الجودة أحد أهم الوسائل والأساليب لتحسين نوعية التعليم والارتقاء بمستوى أدائه في العصر الحالي الذي يطلق عليه بعض المفكرين بأنه عصر الجودة، فلم تعد الجودة ترفاً ترنو إليه المؤسسات التعليمية أو بديلاً تأخذ به أو تتركه الأنظمة التعليمية، بل أصبح ضرورة ملحة تمليها حركة الحياة المعاصرة، وهي دليل على بقاء الروح وروح البقاء لدى مؤسسات التعليم وخصوصاً الجامعات . وتشمل منظومة الجودة والاعتماد الأكاديمي في الجامعات اليمنية عدة حلقات مترابطة ومتكاملة تمثل الأبعاد الأساسية لجودة التعليم العالي , لعل أهم وأخطر هذه الحلقات أو الأبعاد من وجهة نظري هو البعد الخاص بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات باعتبارهم محور العملية التعليمية والأكاديمية وأبرز مدخلاتها والعنصر الأساسي والهام لتحقيق جودة العمليات التعليمية والأكاديمية في الجامعات وجودة مخرجاتها المتنوعة . ومن هذا المنطلق يتعين على جامعاتنا اليمنية أن تحرص جيداً على اختيار أعضاء هيئة التدريس فيه وفقاً للمعايير العلمية والأكاديمية وتطبيق معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي المتعلقة بعضو هيئة التدريس في الجامعة منذ مرحلة تعيينه مروراً بمراحل عطائه العلمي وأدائه الأكاديمي حتى مرحلة تقاعده عن العمل . فالاهتمام بجودة التعيين لعضو هيئة التدريس بالجامعة يقتضي أولاً الالتزام التام بتطبيق كافة المعايير والشروط والإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون الجامعات اليمنية رقم 32 لسنة 2007 والمتعلقة بشغل وظائف أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اليمنية , وعدم التهاون أو التساهل أو الاستثناءات وتغليب مصالح واعتبارات ضيقة عند التعيين لما يشكل ذلك من خطورة على مستقبل أجيال كاملة من خريجي الجامعات على يد هؤلاء الأساتذة إذا ما تم تعيينهم بعيداً عن معايير الكفاءة والجدارة والقدرات والمهارات الأكاديمية المطلوبة في عضو هيئة التدريس في الجامعة . ولا شك أن الاهتمام بجودة تعيين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات يتوقف عليه أولاً: نجاح هذه الجامعات في تطوير وتنمية مهاراتهم وأدائهم الأكاديمي، كونهم يمثلون بيئة صالحة وقابلة للتطوير وتنمية المهارات لما يمتلكونه من معارف ومهارات أساسية تم تعيينهم على أساسها . وثانياٍ: امتلاك الجامعات اليمنية لكوادر مؤهلة ومتميزة من أعضاء هيئة التدريس سوف يسهم بفاعلية في تعزيز قدرة هذه الجامعات على تحقيق أهدافها وتحسين جودة أدائها ومخرجاتها وتعظيم دورها وإسهامها الايجابي في تنمية وخدمة المجتمع . لقد أفرز التعيين خارج إطار المعايير القانونية والأكاديمية للعديد من أعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات اليمنية إلى وجود أساتذة لا يمتلك بعضهم أدنى المهارات في التدريس والبحث العلمي , وهناك أساتذة مضى على تعيينهم سنوات عديدة وأزمنة مديدة لم يقدموا لجامعاتهم ومجتمعهم أي نتاج بحثي أو علمي سواء بحوثاً أو كتباً جامعية أو علمية، ويعتمدون في تدريسهم للأجيال المتعاقبة من طلابهم في الجامعات اليمنية على ملازم تم نسخها، أو بالأصح سرقتها، من كتب ومراجع عربية وأجنبية والبعض منهم، وللأسف الشديد، مازال يعتمد في تدريسه لطلابه في الجامعة على كتاب من أوائل الثمانينيات أو السبعينيات من القرن الماضي في تخصص تطبيقي يتطور يوماً بعد يوم في مفاهيمه وأساليبه التطبيقية!!!. ولا يتسع المقام لذكر مزيد من المآسي الناتجة عن عدم الاهتمام بجودة التعيين لأعضاء هيئة التدريس في جامعاتنا اليمنية، لكنني في الختام أناشد قيادات التعليم العالي والقيادات الإدارية والأكاديمية العليا في جامعاتنا اليمنية أن يتقوا الله في هذا الوطن ويدركوا جيداً أمانة المسؤولية الملقاة على عاتقهم نحو هذا الوطن ونحو أجيال متعاقبة من شبابه الذين يلتحقون سنوياً في الجامعات اليمنية ويتطلعون للحصول على تعليم متميز ومعارف حديثة ومهارات تطبيقية تمكنهم من الحصول على فرص العمل المناسبة في سوق العمل , وهذا لن يتحقق بالشكل المطلوب إلا من خلال كوادر أكاديمية مؤهلة ومتميزة من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات يتم اختيارهم وتعيينهم وتنمية مهاراتهم بعناية ورعايتهم باستمرار . وعلى هذه القيادات أن تدرك أيضاً أن الخطوة الأولى والأساسية في الطريق الصحيح نحو تطبيق معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي في جامعاتنا اليمنية تبدأ بجودة التعيين لمن يستحقون العمل في هذا المجال قانونياً وعلمياً وأكاديمياً وأخلاقياً . والله من وراء القصد. * أستاذ التسويق المساعد : جامعة تعز [email protected]